نسكن في بيت جدي الذي يحتوي خمس عائلات، ونحن العائلة السادسة. يقع المنزل على تقاطع شارع رئيسي، مقابل العثيم. تنقطع المياه في المنزل بشكل دائم عن دورات المياه بعد أن يستحم ثلاثة أشخاص. أحيانًا أتصارع أنا وقريبتي على الماء الحار، دورة المياه المخصصة لنا تقع فوق دورة المياه الخاصة بهم، وماسورة الماء واحدة، فعندما أحول محوّل الماء إلى الجهة الحارة فأنا بذلك أشفطها عمن يستخدمها في الحمام السفلي، ودائمًا ما تستخدمها قريبتي ذات أطول لسان، فتصرخ بي صرخة واحدة وتنتقل موجات صوتها الحادة عن طريق ماسورتنا المشتركة إلي، أغمض عيني وأسد أذني أحاول اغتنام خمسة دقائق دافئة قبل أن تصرخ مجددًا وأضطر إلى إغلاقها من جهتي. وأحيانًا أخرى تريح بها حبالها الصوتية، فبذلك ترسل أحد إخوتها الصغار أو بالأصح -جنودها الصغار- إلى دورة المياه الخاصة بنا، فيكون بين أخذ الأمر من أختهم وإغلاق الباب من جهتي خمس ثوانٍ قبل أن يهجموا علي، ولأن دورات المياه بلا مفاتيح، أضطر للوقوف خلف الباب ودفعه لكيلا يهدمون حصني الوحيد أمام انكشاف عورتي، أحاول استرضاءهم بأخذ دوري باللعب بالسوني ليمنحوني بعدها عشر دقائق قبل أن يهجموا علي مجددًا بعد أمر ثاني من أختهم أو بالأصح-قائدة الجيش-.
أما عند حلول المناسبات، تقوم السوق السوداء في المنزل، مقايضات ومراهنات لبيع أدوار الذهاب إلى دورات المياه، فالأدوار الأولى هي الأفضل. عند انتهاء البعض من الاستحمام يبدؤون بعدها بالاستشوار والكيّ والتنظيف، وهذا ما يسبب ضغطًا هائلًا على الكهرباء، فتنقطع الكهرباء بشكل فوري على البيت بأكمله، ويضطر أصحاب الأدوار البعيدة في دورات المياه إلى الاستحمام في الظلام، أو الخروج والانتظار برأس تملأه فقاقيع الشامبو إلى حين عودة الكهرباء.
يوجد استثناء واحد في المنزل لأحد دورات المياه، وهي دورة مياه جدي وجدتي الموجودة في الفناء الخارجي، فقد قاموا ببناءها خارجًا إثر ليال الصيف الباردة التي ينامانها تحت أضواء السهر. لا يوجد بها بلك أو بلاط، وإنما أرض أسمنتيه وحوائط من الشينكو، وباب حديدي اضطروا إلى نزع مقبضه في إحدى الأوقات وتشكلت مكانه أفضل فتحة مراقبة لمن بالداخل. وأما بالنسبة للمياه فيه فهي تأتي من خرطوم المياه مباشرة من الخزان. وكانت لعبتنا المفضلة الوقوف على خرطوم الماء وقطع المياه عمن في الحمام حتى نسمع الصراخ، بعد سماعنا للصراخ وتأكدنا عن انقطاع الماء، نفك إسر السجين المرتجف من البرد والخزي معًا، ونبحث عن طريقة أخرى تجعله يكره نفسه.
لا نحبذ الاستحمام خارجًا لتلك الأسباب، فقد شهدت أمام عيني محاولة استراق النظر من الأولاد لجدتي في أثناء استحمامها خارجًا، ولكن في كل مرة يحاولون بها ذلك تكون هي لهم بالمرصاد، فتلحقهم بخرطوم الماء وتجلدهم على ظهورهم. هي تستطيع جلدهم وأما أنا فلا.
ولا أنسى ذكر الحمامات الجماعية المقامة في الفناء، لتوفير الماء والأدوار إلى دورات المياه، تقوم جدتي ووالدتي وكل زوجة في المنزل بإحضار أطفالها وجمعهم معًا في سطل أو على الأرض مباشرة، وتقوم جدتي بتشغيل خرطوم الماء وصب الماء على رؤوس الأطفال، بينما تقوم النساء بوضع الشامبو والتفريك، ودائمًا ما تنتهي تلك الحمامات الجماعية ببكاء أحد الأطفال إثر إنزلاقه على الأرض، أو إثر إمساكه بعد محاولة هروب.
بالرغم من مناوشاتي أنا وأم لسان، ومن مناوشات الجميع على دورات المياه، تتقاسم جميع العائلات الألم، ونضطر إلى رفع الراية البيضاء أحيانًا لمن هم أشد بؤسًا منا، كمن ينتظرها حفل زفاف مثلًا، فنعطيها التذكرة الأولى للاستحمام. وكثيرًا ما يتم توزيع الشامبو في كؤوس ورقية بيضاء. يمتلك سكان المنزل حاسة شم قوية، وخلايا تحليل للرائحة فتّاكة، ولا يتم تشغيلها إلا للحروب. عند شراء إحدى سكان المنزل لشامبو جديد، سواء كان شامبو أو سائل استحمام أو حتى حمام زيت للشعر، تنتشر الرائحة في كل دور، وعندها تبدأ تمثيلية نفاذ الشامبو ولوازم الاستحمام لدى الجميع، لذلك يصدر أمر من الجهات العليا بأن يتقاسم الجميع ذلك المنتج الجديد، بدون أي رفض أو شكوى.
الاستحمام في منزل يعج بالرؤوس، أشبه بعقوبة، والأشد من ذلك ألمًا وإحراجًا هي أوقات الأعياد.