لم أحب التفاح قط، الأخضر، الأحمر، الأصفر، ولا لون، لم أحب قوامه، ولا رائحته بعد أن يتعرض للهواء، ولا قشرته صعبة التقشير، ولا صعوبة قضمه. بوجود هذه الأسباب جميعها لم أعلم لما ما زال الناس يأكلونه؟
في عصرية حارة جدًا، اقاطع ساقيّ على البساط الأحمر خارجًا، أقوم بحل واجب الكيمياء، الحاسبة بيدي اليمنى، والقلم الرصاص يحمل شعري في قبضته، بينما بيدي اليسرى أرفع الكتاب لتتسنى لي وضع عيني بعين المسألة لعلها تخشاني وتدعني أحلها.
رن جرس الباب فجأة، يصلني صوت والدتي عاليًا “افتحي الباب” تركت ما بيدي لأفتحه، ارتدي نعلي الصفراء البلاستيكية، وأحاول تعديل قميصي.
لم أطل برأسي، بل استعنت بزاوية الباب التي تنفتح وتتيح لي رؤية من يقف أمامه. لا أرى سوى سلة زرقاء بلاستيكية مليئة بالتفاح الأحمر وهو ما أبغضه أشد البغض. تطفو السلة في الهواء، استسلم لأرى كيفية طيرانها، أُطل برأسي، يدان ضخمتان، وشهباوتان، أرفع برأسي لأرى ابن جارتنا صفية، أكبره بسبعة أشهر، ابتسمت وقلت:”اوه تفاح” قال بحماسة وابتسامة بلهاء:”تحبينه؟” قلت في نفسي “كذبة بيضاء لن تضر” ورددت عليه بتردد:”ايه…” أخذت السلة بدون أي حديث إضافي، وأغلقت الباب، لم نعتد أصلًا لقول أي كلمات وداع، لذلك لم يهمني إن كان قد تحرك من أمام الباب أو لا.
اتضح بأن والدتي قد سألت جارتنا بعضًا من التفاح، وضعته في المطبخ، وقبل أن أخرج أخذت تفاحة واحدة، غسلتها، قضمتها، لم استطع إكمال مضغي، لذلك أخرجتها سريعًا في منديل وعدت لأتصارع مع مسأله الوزن.
في اليوم التالي، رن الجرس في نفس الوقت، خرجت سريعًا لأفتح الباب، وكان ابن جارتنا متواجدًا أمامه، يحمل تفاحة حمراء أخرى، تفاحة واحدة، ابتسم ومدها لي، استغربت وأخذتها على مضض، مشيت بتهادٍ حتى وصلت المطبخ، سلة الأمس من التفاح لم تنتهِ بعد، لما إذًا هذه التفاحة الوحيدة؟ وضعتها في السلة وخرجت.
في اليوم الثالث تكرر نفس الشيء، وفي الرابع والخامس، إلى السابع، نفس الابتسامة البلهاء، نفس التفاحة البغيضة.
بعد اليوم السابع توقفت التفاحات عن المجيء، حاولت بعدها أن أعطي التفاح الأحمر فرصة أخيرة، قمت بتقشيره بآلة تقشير اشترتها والدتي مؤخرًا، وقد انحلت مشكلة صعوبة التقشير، وأما بالنسبة للطعم فقد أصبح مستساغًا بعد أن جربت عصره، وأحيانًا يصبح لذيذًا حينما أقوم بإضافته لسلطة الفواكة، لذلك حينما انتهت السلة افتقدت التفاح الأحمر، أصبحت أترقب موعده القادم.
عادت زيارات التفاح بشكل متقطّع خلال الأشهر القادمة، وبنفس الابتسامة، لكنني لن أقول بأنها بلهاء، بل لطيفة، عند التدقيق بقسمات وجهه فهي مثالية تمامًا مع ملامحه.
وبعد مضي مدة، وعند اتخاذي الخطوة الاصعب، وهي الاعتراف بإعجابي، قام بإجابتي:”وأنا بعد”
لكنني لم أرى أي شيء يدل على ذلك، فما زال التفاح يصل لمنزلنا على فترات متقطعة، وتمتد أحيانًا لفترات متباعدة طويلة، وهذا ليس دليلًا على”وأنا بعد” لم يقم بتقطيعه لي مرة واحدة، أو حتى بزيادة عدد التفاح، يوجد على الكرة الأرضية التي نعيش عليها عدد لا مهول من الفواكة، لكنه لم يعطيني حتى برتقالة واحدة على سبيل التغيير، بالرغم من أن البرتقال كان فاكهتي المفضلة، فهو لم يعطيني واحدة أبدًا وأشك بأنه يعلم بشأن البرتقال أصلًا، لم يتخذ أي خطوة متقدمة، لم يضع رسالة مع التفاحة مثلًا؟ لم يسألني عن مسألة الكيمياء الصعبة؟ واكتفى بالتفاحات، لا أعلم إن كان يظن بأنني فرس أو ما شابه.
بالأمس، عند التفاحة رقم ٥٨، زممت شفتي وانطلقت بعدها بدون أخذ نفس:”ترا أنا أكره التفاح، ويجيب لي المغص، وما أحب الفواكه خير شر”
نظر إلي بنظرة حزينة عميقة، لم أتوقع بأنني سأرى كعمقها في حياتي، لدرجة أنني ظننت بأنني سأغرق لا محالة فيها، اشفقت عليه وأردت بأن أضيف:”بس ما عليك باكل تفاحك للأبد” لكنني أمسكت نفسي، لأنني استحق أكثر من هذا التفاح.