الثامنة صباحًا، الشمس تهاجم عيني اليسرى، أحاول أن أقرأ، انتبه لسطر لمدة دقيقة، وأفكّر لخمس دقائق. تحدّق فيني ملابس جدتي المنشورة، يحاول دولاب أغطيتها إرعابي بصوت طقطقة، أستعيذ باالله، أذكّر نفسي بأن الشياطين مربوطة، أهدأ لثوانٍ معدودة قبل طقطقة أخرى. أستلقي على سرير خشبي في غرفة مجاورة لجدتي، أحاول أن أرهف السمع، أدعو في داخلي بأن يسير اليوم على ما يرام، ترتعد فرائصي كلما تذكرت دموعها في الليلة السابقة، أفكر في نفسي، هل سأكون قادرة على التصرف لو تألمت جدتي مرة أخرى أمامي؟ كانت إحدى مخاوفي النسيان، لم أخف من شيء كخوفي من فكرة نسياني لكل شيء في
يوم من الأيام. نسيان الأسماء، الأماكن، المعروف، الخطايا، الذهاب إلى دورة المياه. انضمت إليها فكرة التقدم بالعمر، لم تعد فكرة النسيان وحيدة تدور في مخيلتي، وإنما الآن لديها رفقة، رفقة التقدم بالعمر. متشابكي الأيدي، يركضون، يقفزون، يتسابقون حول من ينقض النوم عن عيني اليوم، من يسيطر على يومي، من يجلس على عرش تفكيري.
مخيفة حقيقة التقدم بالعمر، مخيفة فكرة فقدان القدرة على الاعتماد على النفس بالكامل، مخيفة فكرة الحاجة، مخيفة فكرة الترهل وطقطقة العظام -مع أنني أطقطق الآن- مخيفة فكرة نقصان العداد.
من كانت تطاردني في فناء منزلنا القديم بنعلة دورة المياه لإزعاجي لابنة عمتي، لا تستطيع الآن قطع صالة منزلنا كاملة مشيًا، من كانت تمسكني بيديها الأثنتين لتضع الفكس في عيني، تكتفي الآن بتهديدي بإصبعها السبابة، تذكّرني بألم معدتها فأتراجع بدون حتى تهديد وبدون الحاجة لرفع الإصبع. في كل مرة أحاول نسيان الموضوع، تعيد تذكيري به، تخبرني:”ما مني فايدة الحين، ما يمديني أرفع يدي” مخيفة فكرة فقدان القدرة على مساعدة الغير، مخيفة أكثر فكرة فقدان القدرة على مساعدة النفس.
أعلم بأن هنالك الكثير لفعله قبل الوصول لهذه المرحلة بدون ندم، لكن التفكير وحده بها مرهق قليلًا. أفكّر بإيجابية أحيانًا
عن الكبر بالسن، مثيرة فكرة تجاوز الحدود، النكت قليلة الأدب، الملابس الفضفاضة الملونة، الهدوء والطمأنينة والاستقرار، الأحفاد ومشاكلهم وأمنياتهم. الجلوس في الشمس بدون الشعور بالحر، عدم تشغيل التكييف، الإنبهار بالتقدم العلمي. أشبه بمن يجلس على كرسي في قمة العالم، بوجود كأس شاي وعلبة فشار أبيض.
بكيتيني الله يسامحك