تستلقي على ظهرها، مفرش أبيض، أشبه بأعين قط في ظلمة حالكة، ترتقب، رائحة المفرش تعبق برائحة صابون المغسلة، تنتظر من الأيام مفاجأتها بخبر أو حدث يكسر رتابة حياتها، تستمتع للجاز بوسط ظلمة غرفتها التي تُضاء فقط من خلال مصباح صغير يقف على قدمه بجانبها.
نجح الكسل بالتغلب عليها اليوم، لم تقم بأي شيء يدعو للفخر، أو حتى للذكر، قرأت خمسين صفحة من كتاب وسرعان ما أغلقته. لا يوجد لديها ما تفعله، ولا مكان لتذهب إليه، تتقلب يمينًا وشمالًا على سريرها، إلى الجهة الأبرد والأكثر راحة.
فجأة، تفتح عينيها، وكأنها تومض بشعاع في عتمة الغرفة، تنهض سريعًا، ترتدي حذاءها المنزلي، وتنطلق إلى باب الشارع، توقف سيارة أجره صفراء وتصعد بنظره يشوبها القلق.
يسأل السائق:”إلى أين؟”
تجيب بتلعثم وعيون زائغة للخارج:”اذهب إلى الشارع الرئيسي وسأخبرك حينها”
لا تدري هي بنفسها إلى أين ستذهب، قررت بأنها ستهرب اليوم لتفعل شيئًا غير معتاد، شيئًا يعيد شحنها لمجابهة باقي أيامها، لن تسافر بالتأكيد، لا تملك المال والشجاعة الكافية لفعل ذلك، وحتى أنها لم تُخطر والدتها بخروجها من المنزل، وهذا بالحد ذاته أكثر رعبًا من نظرات السائق المليئة بالحيرة تجاهها. تحاول التفكير سريعًا بمكان أو كلمة أو صديق لتبصقه خارج فمها حينما يسألها السائق عن وجهتها، لكن لا تنجح بذلك، أصبح ذهنها خاويًا، صفحة بيضاء، صحن مائدة فارغ، صحراء قاحلة.
يسأل السائق مجددًا زامًا شفتيه:”إلى أين الآن؟ ها نحن وصلنا إلى الشارع الرئيسي”
تجيب بعد مدة سكوت امتدت لدقيقتين:” صاروخ”
يفتح السائق عينيه كما لو كانت عينه المكورة ستتدحرج منها في أي لحظة:” إلى أين؟”
تجيب:”صاروخ، سأذهب إلى أي مكان يتواجد فيه صاروخ”
راح يتأملها السائق بدون أن يرف له جفن، مستغربًا من الطلب، ومستغربًا أكثر منها، فتاة في عشرينياتها تقريبًا، ترتدي حذاءًا منزليًا ورديًا، لا تحمل سوى هاتفها ومحفظتها، ولا تنطق إلا بكلمة صاروخ. أفقد عقله؟ أهاذا هو المشي أثناء النوم الذي يتحدثون عنه؟ هل تمشي وهي نائمة؟ سألها:”هل أنتِ بخير؟”
تجيب بعد أن أزاحت نظراتها عنه وتوازنت في مقعدها:”أنا بخير حال، هلا تكرّمت من فضلك وأخذتني إلى أقرب صاروخ؟”
أجاب وهو يحاول منع ابتسامته من الظهور علنًا:”هل معكِ ما يكفي من المال لنسافر بالسيارة حتى نصل إلى أقرب وكالة فضائية؟”
أجابت:”معي ما يكفي لنجد صاروخًا هنا”
وجّه نظرته نحو مقوده واستعاد جلسته المعتادة وقال:”حسنًا إذًا، شعاري دائمًا هو أن ألبي احتياجات الناس مهما كانت مستحيلة، وحتى لو كانت أخذهم إلى إحدى الوكالات الفضائية لرؤية الصواريخ في مدينة يبلغ حجمها نصف أي وكالة فضائية في العالم”
بعد مسيرة نصف ساعة يتخللها الكثير من المنعطفات، والكثير من المطبات التي يتم تجاوزها بالطيران، وإشارات المرور التي لا يمكن حصرها بالأصابع، وصلوا أخيرًا إلى وجهتهم.
قالت وقد وضعت يدها على فمها لتمنع ابتسامتها من الظهور ومنح السائق احساس الانتصار:”ها قد وصلنا إذًا، أرى بأنك فهمت قصدي من البداية، ولمكافئتك على حسن تدبيرك هل تريد صاروخك بشطة أو بدون؟”
أجاب وهو يبتسم لابتسامتها:” بدون شطة ولكن أخبريهم أن يضعوا الكثير من المخلل”