يوم صيفي حار، تتذمر والدتي من الطبخ المستمر، كل يوم، نفس الهم، ما هو العشاء؟ في كل ليلة تجلس والدتي وحيدة، تفكر، وتفكر، وتفكر في العشاء، ينتهي بها الأمر بطبخ ما تطبخه كل يوم. لكن اليوم استثناء، استجاب قائد القوات المسلحة والدي لنداءاتها المتواصلة المستغيثة، وطلب البيتزا.
نجلس نحن الأربعة على الأرض، أنا أمام أخي الذي يصغرني بعشرة سنوات، وعن يميني والدي، وعن شمالي والدتي، ابتلع ريقي ريثما يأتي أمر فتح الصناديق الكرتونية المربعة. تنظر والدتي لي، وهذا ما يعني أن أقوم بفتحها أنا، لكنني أمرر النظرة لأخي، ويحدجني هو بعينيه ويعيدها لي، انظر لوالدتي معيدًا نظرتها إليها، تقلب عينها مع تنهيدة واطئة، تضع يديها أمامها، مشيرة إلى قلة الحيلة، وتنتظر والدي بأن يرفع عينه عن هاتفه ويصدر أمر البدء.
صدر أمر البدء أخيرًا، لا يوجد أي صوت سوى صوت الأصابع وهي تطير من كرتون لآخر، وصوت مضغ والدي بفمه المفتوح بالطبع.
تبقت قطعتان أخيرتان، لم أشبع بعد، ولا أظن أخي النهم شبع، نتحارب بالنظرات، ننتظر والدي ليقوم بحركته، هل سيدخل الحلبة معنا أم لا؟ ينهي ابتلاع آخر لقمة وينظر إلى ساحة الوغى، قطعتان من البيتزا بالخضار، مليئتان بالزيتون، وعينان ترقبان.
يمد يده ويأخذ واحدة، يقضمها بينما يميل بجسده بعيدًا عن السفرة، وهذه علامة انسحابه من المعركة. ننظر إلى بعضنا البعض، أنا وأخي، خمسة ثوانٍ معدودة وبدأ الانقضاض، سحبتها بشدة من الجهة العريضة، وسحبها هو من مقدمتها، حصل في النهاية على قطعة من العجين وزيتونة، وبينما أنا على القطعة كاملة، لم يقم بالقفز علي كآخر مرة، بل فاجئني إذ اشتكاني لوالدي، قام بعدّ قطع الحواف التي لم آكلها وأخبر والدي بأنني أكلت أكثر منه، أو ربما أكثر من جميع الموجودين، فقام والدي بحركة واحدة، بإصبع واحد، بالإشارة إلي لإعطيها لأخي الصغير، المسكين، الجائع، الخبيث، أعطيتها إياه كمن يسلّم شارة الاستسلام البيضاء، خاو الوفاض، والمعدة معًا.