“كرهت الكلمات وأحببتها، وآمل أن أكون قد صنعتها بشكل صائب.”
آخر اقتباس من كتاب سارقة الكتب، وهي الفكرة التي أفكر فيها دائمًا، هل أحسنت صنيعًا بكلماتي؟ سواء كانت المنطوقة أم المكتوبة. هذا الهاجس المؤذي، لا ينكف عن ملاحقتي كظلي، في كل الأوقات، وفي كل الحالات، قبل ذهابي للنوم وبعد استيقاظي، في أثناء تنظيف أسناني وفي منتصف المحاضرة، هل أنا أحب الكلمات فعلًا وأكتبها عن حب أم هي حاجة وأكتبها رغمًا عني؟ هل اخترتها أم اختارتني؟ هل أفكر فيها وأعطيها حقها من التفكير أم أبصقها بعجالة؟ أسئلة كثيرة، ووقت قليل للبحث عن إجابات.
أجلس على كرسيي الجديد وأعاني من قدمي النائمة من كثرة الجلوس، حاولت بيأس شديد للخروج من قبضة الرواية، وما زلت أحاول. أعتقد بأنني أزددت وزنًا بعد انتهائي منها، وأراهن الجميع بأن شعرة بيضاء جديدة تزاحم شعري الأسود الآن للخروج، فكرّت كثيرًا في الرواية، في نفسي، في ماضي ومستقبلي، رواية رباعية الأبعاد، شخصياتها تتربع على رأس القارئ، والحياة والموت يدوران حوله.
الموت كراوي للقصة؟ كيف استطاع الكاتب التفكير بهذا! أسلوب الكاتب والتقنيات التي استخدمها تسقطك على رأسك في الرواية، لا تستطيع النفاذ منها، ولا هي تستطيع أن تستسلم عن محاولة السيطرة على القارئ. في رواية عن الحرب وهتلر واليهود، الموت كرواي لا يزيد القصة إلا اكتمالًا، مذهل.
رودي الذي يذكرني كثيرًا بأحد أقربائي، لا يتوقف عن لعب الكرة، عصقول، ومتيم بصديقته، لا يستسلم عن الاعتراف لها بحبه، ويأمل أن تبادله نفس المشاعر. وصديقته ليزيل التي تمّن بقبلتها وقلبها، وتؤمن تمامًا بأنها لا تملك مشاعرًا تجاه صديقها الوحيد، لكن هل هذا صحيح فعلًا؟ ماذا عن جولات اللعب الكثيرة، وعن الأحاديث الغير منقطعة، والضربات التي تلقوها معًا، ألا يسمى هذا حبًا؟ لم تعقها صعوبات القراءة أبدًا عن عيش حياة مليئة بالمغامرات، وكانت صعوبات القراءة المفتاح لأشياء أعظم. ماكس الذي جعلني أتأمل النجوم والسماء في منتصف قراءتي، أن أستشعر قدرتي على رؤية الغروب في كل يوم، وأن أنام على سرير وثير وغرفة دافئة، حرة بما أعتقد وأفكر وأؤمن. أخيرًا هانز، الذي جعلني أتقد حماسًا لصنع ذكريات كثيرة مع العديد من الأطفال، أن أهبهم الأمل بكل ما أقدر عليه، أن ألمّع عالم البالغين قدر المستطاع، وأنهم قادرون على الخوض فيه بدون خوف أو قلق، ألا يبكون كما بكيت عند بلوغي سنتي العشرين.
“كيف يمكن للشيء نفسه أن يكون قبيحًا جدًا وجميلًا جدًا في آن معًا، وكيف يمكن لكلماته أن تمتلك هذا القدر من القوة التدميرية والروعة الفائقة في الوقت عينه؟”