شخصية غير صبورة، غاضب، سريع الاشتعال، يخيّل لوالدته بأنه هو من أخرج نفسه من بطنها بدون الحاجة لها بالدفع والصراخ. يصيح باسم أمه لتحضر له غداءه، وإن تأخرت لخمس ثوان قام هو بإحضاره، يغرقها بالأوامر، بالنصائح أحيانًا، وبالشتائم كثيرًا، لم يكن ابنًا عاقًا بما تعنيه الكلمة تماماً، فكان يحزن لتصرفاته التي كما يقول دائمًا بأنها رغمًا عنه، يعتذر مطئطئًا رأسه، يحضر الهدايا، ويغسل الأطباق، ومع هذا كله، فلا يزال على حاله.
في مساء هادئ اجتمعت فيه الأسرة، سكبت والدته القهوة على قميصه بغير قصد، انفجر غاضبًا، لم يشتمها وإنما أبعد يدها عن قميصه بشكل عنيف بينما تحاول تنظيفه، وقف وذهب مسرعًا للغسالة، نزعه كما لو كان ينزع ورق تغليف هدايا، وضعه في داخل الغسالة ذات الباب الدائري وراح يقول بينما يبصق على أرض دورة المياه:”ااهه استغفرالله يا ليت يدي تنكسر ولا أسحب يد أمي كذا، أبي أصير حليل مرة وحدة بس!.” عاد بعد ربع ساعة، أخرج القميص، وضعه في المجفف الحراري، وارتداه بعد أن انتهى من تجفيفه.
أحس بأن قلبه أخف، أبرد، وأكثر استقرارًا، وشعر برغبة عارمة تقوده لحضن والدته والتأسف لها، لم يحضنها منذ أن كان في السابعة، يحاول منع نفسه، يتوقف ويحاول التفكير، لا يستطيع، كما لو كانت أقدامه تتصرف من نفسها بدون الرجوع إلى عقله، حضنها وهي تشاهد التلفاز، أطالت النظر إليه، وأطال هو بالنظر إليها، تسأله إن كان بخير ويجيب بأنه بأفضل حال، لم تضف كلمة أخرى للحديث ولم يوضح هو شيئًا، أسرع إلى غرفته وأقفل الباب.
بالرغم من حضنه الغير إرادي، فإنه لم يشعر بالغضب من نفسه، ولا حتى بالضيق، وإنما بطمأنينة وفرح لم يشعر بهما من قبل.
وبعد عدة تجارب غسل فيها الملابس لمدة اسبوع كامل، اكتشف الطريقة، نفس القميص، نفس الصابون، بدون أي ملابس أخرى، أذكر الشخصية مع السبب، وانتظر لمدة ١٥ دقيقة.
يدخل القميص السماوي في الغسالة ويقول:”اليوم أبي أصير إنسان لطيف عنده مشاعر، أبي أبوي يستانس عشان يعطيني السيارة.” يوم كامل لا يقول فيها إلا:”سموا وأبشروا، على خشمي، ومن عيوني.” ومفتاح السيارة أصبح بيده لمدة أسبوع.
يدخله مجددًا في اليوم الذي يليه ويقول:”أبي أصير اجتماعي مثقّف، بحاول أخلي بنت خالي تحبني.” يرتدي القميص مرة أخرى ويذهب للاجتماع في بيت جدته، حديث لا ينقطع عن توقعاته السياسية، الاقتصادية، الفلسفة، سبينوزا، الكيمياء، الأرقام، وقلوب ترى بالعين المجردة تتطاير من نظرات ابنة خاله.
وفي نهاية الأسبوع، قام بخدش سيارة والده بسيارة أخرى عندما كان يخرجها من إحدى المواقف، يرتجف ويخبر والده بالحقيقة، قام والده بصفعه، والده الذي يعاقبه بحبسه بالغرفة لأيام، والده الذي يمنعه من ركوب السيارة ويجعله يعود مشيًا للمنزل، لم يصفعه قط وهذه كانت المرة الأولى، يؤنبه فيها على مشخ السيارة، يغضب ويركض خارجًا ويرمي بقميصه بالغسالة، يغلق باب الغسالة بقوة تمايلت لها أرجلها الحديدية، قال بحدة:”أنا ما أبغى أصير أخاف من أحد خلاص، لا أبوي ولا أمي ولا حتى من نفسي!.”
ارتدى قميصه، لا يهاب شيئًا، لا خدش السيارة، ولا حزن والدته، ولا عقوبات والده، يهيم على وجهه مرتكبًا كل الحماقات، يدخل المنزل مساء كعادته، بوجه ترتسم عليه أمارات التحدي، يلتقي بوالده في منتصف درج المنزل، محاولًا إنزال الغسالة لبيع قطع غيارها السليمة بعد توقفها عن العمل تمامًا.
