الأيام كلها متشابهة، نفس الغداء والعشاء، نفس الأشخاص، نفس الأفكار. علامات سوداء على الأرض من سحب الأريكة المتكرر، تحاول إعادة ترتيب الأثاث لكن لا فائدة، الملل يتسرب إلى داخلها، لا معنى، ولا حياة.
تستيقظ في الثامنة، ترتدي قميصها الأخضر، تعد الفطور لزوجها، بيضة مقلية، فول، وجبن. وبعد أن ينتهي من الفطور وتتأكد من توديعه تنتقل إلى التنظيف، المطبخ فالصالة وتنتهي بغرفة النوم. تبدأ بإعداد الغداء، وتنتهي في الواحدة، أرز أبيض مع صدر دجاجة وسلطة، فزوجها يحاول أن يخسر وزنًا، وبظنهم جميعًا أن هذا الغداء مع مشي لمدة نصف ساعة هو الحل. تنتظر زوجها بفارغ الصبر لتتشرب يومه، نافذتها على العالم الخارجي، وبينما يغط في نوم عميق بعد الغداء تقوم بغسل الملابس والكي، توقظه بعدها ليشرب الشاي ويخرج للقاء أصدقاءه، بينما هي تنشغل بماذا ستعد للعشاء.
تتصل بوالدتها يوميًا في السابعة، وتظل على الخط لساعة كاملة، تأخذ أخبار الجميع، وتستلهم الوصفات، وتخطط لأحداث مستقبلية تعلم يقينًا بأنها لن تحدث. تخبر والدتها عن شعورها بالرتابة، لا تعلم ما السبب، لكنها استيقظت اليوم وداهمتها رغبة شديدة للنوم طوال اليوم، أرادت بشدة افتعال شجار مع زوجها، أصبحت تجد صوت تنفسه مزعجًا، وأنه لم يخسر وزنًا وإنما زاد، وبينما تفكر بهذه التفاصيل كلها التفت إليها زوجها في السرير يتأكد من استيقاظها، وما أن التقت أعينهما قفزت بهلع واتجهت إلى دورة المياه، بالرغم من أنه لم يقل شيئًا. تخبرها والدتها أن تستعيذ من الشيطان، وأن تستمع للقرآن لينشرح صدرها، وأن ما تفكر به سوى أفكار شيطانية لن تؤدي إلا إلى انهيار بيتها.
تغلق الخط وتنهض لتجهيز العشاء، معكرونة حمراء، وكأس من عصير البرتقال الطبيعي، تعصر البرتقال منزليًا، فهذا أصح من العصير المتوفر في المتاجر كما يقول زوجها دائمًا، ممتدحًا العصير بعد كل عشاء، تبتسم وتقول بالعافية كردها المعتاد كل يوم. يحاول إقناعها بأن تعد الخبز في المنزل أيضًا كما تفعل زوجة صديقه، فالخبز الذي تعده أكبر من الجاهز، ويأتيهم على العشاء ساخنًا، لكنها ترفض بحجة أنهم سيتعين عليهم شراء فرن خاص لذلك، وليس لديهم المساحة الكافية له، لكنها تحاول مرارًا إعداده بطرق أخرى لكنها تفضي إلى الفشل.
تدور في حلقة مفرغة، تدور حول زوجها كجسم صغيرعالق في مجال مغناطيسي لكوكب، لا تستطيع الاصدام ولا الخروج من المجال، فتدور وتدور وتدور، بلا توقف. في كل مرة تحاول كسر الدائرة، تهاجم نفسها، كيف لها أن تطلب يومًا من الراحة ولم تسمع أمها تطلب يوم راحة أبدًا؟ ماذا عن الاستسلام عن إعداد الفطور وتسخين الطعام الموجود في الثلاجة؟ أو أكل رقائق الحبوب مثلًا؟ هل يتوجب عليها الاستيقاظ يوميًا لتشاهد زوجها يأكل؟ تنقلب إلى الجهة الأخرى من السرير، تشاهد ظهره، ينام بعمق بلا أية حركة، تتغير أفكارها، بالطبع الأمر يستحق، فهو يعمل يوميًا من أجلي، يتوجب علي الاستيقاظ من أجله، وإعداد الطعام له، تعود للنوم، يرن المنبه، تتمنى بأن تفقد قدرتها على السماع.
مرت الأيام ولم تفقد قدرتها على السماع كما تمنت، لكن بطنها تكبر كل يوم، تستيقظ لتفطر هي أولًا، ثم زوجها. غيّرت في قائمة الطعام ليتنوع إمداد الجنين، وأصبحت تمارس المشي والتأمل، امتلأت أيامها ترقبًا وحماسة، تستيقظ فرحة، تنتظر رفسة، وتغني بلا انقطاع.
وبعد طول انتظار وترقب، وقع التاريخ الذي خمتنه الدكتورة، وهاهي تقلصات الولادة تبدأ، ألم فضيع لعدة دقائق ثم ارتخاء، وكلما كثرت هذه التقلصات وزاد حدوثها اقترب موعد الولادة كما اخبرتها والدتها. تتوجه للمستشفى، تدخل غرفة الولادة بهلع، تطلب الذهاب لدورة المياه وترفض الممرضة ذلك، تبكي وتصرخ كل الأيام التي تمنت فيها أن تفقد السمع، وكما ولد ابنها، شعرت بأنها ولدت من جديد.
تستيقظ في السادسة، ترتدي قميصها الأخضر، تعد الفطور لابنها وزوجها، بيضة مقلية، فول، جبن، وشطيرة فول سوداني بالعسل. وبعد أن ينتهي الفطور، وتتأكد من توديع طفلها وزوجها تنتقل إلى التنظيف، المطبخ فالصالة فغرفة نومها وغرفة نوم ابنها. تبدأ بإعداد الغداء وتنتهي في الواحدة، أرز أبيض مع صدر دجاجة وسلطة ومعكرونة بالباشاميل. تنتظر زوجها وابنها بفارغ الصبر لتتشرب يومهم، وبعد أن يغطون بنوم عميق، تقوم بغسل الملابس والكي، توقظ زوجها ليشرب الشاي وتوقظ ابنها ليراجع دروسه، وتنشغل بعدها بماذا ستطبخ على العشاء.