اكتب هذه التدوينة مقاطعة ساقاي على سريري، على غير عادتي بالكتابة على المكتب، بعيدًا عن كوني مرهقة بعد أول يوم جامعي والذي استغرق ساعتان ونصف في الجامعة فقط، إلا أنني أشعر بخفة تجعلني أخرق القواعد التي وضعتها لنفسي بدون تأنيب ضمير. وأعزو ذلك لعدة أسباب، أولها أنني استمعت صباحًا إلى حلقة من البودكاست المفضل لدي بعد مدة طويلة، وثانيًا منظر السماء الذي جعلني أكتب هذه التدوينة بالأساس، وأخيرًا وجه صديقتي نجود من المرحلة الثانوية، ووجه خالتي فاطمة، وسآتي على ذكر الأسباب على حدة.
كنت من أشد المعجبين ببودكاست Get Real وتابعت تقريبًا كل الحلقات، ولا يوجد سبب معين سوى أنهم يجيدون إضحاكي، إلا أنني تخليت عن المشاهدة أولًا بأول بعد أن اتضح لي أن المقدمين من الداعمين للشذوذ الجنسي، ولو أنني أفصل عن مشاعري الشخصية عن المحتوى والمقدمين، إلا أنني أعجز عن استساغة ذلك بشعوري بالخيانة، لكنني اليوم احتجت إلى دفعة إيجابية، واحتجت إلى أن أضحك قبل أن أبدأ يومي الجامعي الأول، لذلك شاهدت حلقة ساهمت فعليًا بجعل يومي أبسط، وأخف، مغمضة عيناي عن رؤتيهم، ولو أن ذلك يناقض العنوان.
أما عن منظر السماء، بالعادة، أستعد للجامعة بدون تشغيل مصابيح الغرفة، فأول ما أقوم به عند استيقاظي هو فتح الستائر، فتدخل الشمس وتغنيني عن أية مصباح. لكن اليوم وعلى غير المتوقع، أو هو متوقع لكنني لم أتوقعه، لم تدخل الشمس الغرفة، واستعنت بالمصابيح وذلك بسبب الغيوم. لم تظهر الشمس سريعًا، وإنما أخذت وقتها بالاستعداد لليوم هي أيضًا، تتغلى علي أنا التي لا يبدأ يومي إلا بها، وتختبئ بخجل خلف الغيوم. وكما قال المتنبي ” الشمسُ قد حلت السماء وما يحجبها بُعدها عن الحدق” وقد كانت فعلًا تلتمع خلف الغيوم كقطعة مجوهرات، ثمينة، مرغوبة، وجميلة. وكنت كسائحة، أرفع هاتفي في كل ثانية للتصوير، صورت الشمس من جميع شوارع المحافظة، انطلاقًا من فناء منزلنا حتى الجامعة، ومن يراجع تسلسل الصور سيستطيع معرفة موقع منزلنا مباشرة، وهذه أسهل طريقة لمعرفة موقع منزلنا سواء لخطفي أو للسرقة، لا شكر على واجب، ولو أنه لا يوجد شيء لسرقته.
وأخيرًا، السبب الذي جعلني أتهيب اليوم هو كوني وحيدة، بعد تخرج جميع الدفعة، ومنهم صديقاتي بالطبع، لم استطع تحمل فكرة حضور المحاضرة بدون أن أفسد على صديقاتي انتباههم، بطلب كريم يدين أو للتعليق على أي موضوع، كنت أعلق على كل شيء، الذباب، الطيور في الخارج، ملابسي، ملابسهم، الهواء، كل شيء! فقط لأكسر هدوء القاعة ورتابة الشرح. والآن بعد أن أصبحت وحيدة لم أعلم كيف لي أن أفسد تركيز أي أحد. وللمفاجئة، وبتبقي دقيقتين على المحاضرة، أمشي بتهادٍ للقاعة، أجد أمامي صديقتي في المرحلة الثانوية نجود، والتي دخلت التخصص بعدي بسبب تحويلها من تخصص لآخر، ولذلك فأنا أسبقها بسنة، لكنني بحذفي للمادة التقي بها مجددًا. وكانت نجود ترتدي السماعات فلم تسمعني أركض باتجاهها، ركضت واصدمت بها، مما جعلها تصرخ، ولو أن المكان يعج بالطالبات لما استطعت التوقف عن الضحك. لم أستطع إفساد عليها المحاضرة، لأنها تجلس في آخر القاعة بينما أجلس أنا في أولها، لكنني أملك رؤية مستقبلية أجد بها نجود تضحك بينما تشرح الدكتورة. وبسبب نجود أصبحت أترقب كل أربعاء على أحر من الجمر. وقبل أن أختم التدوينة، التقيت خالتي فاطمة التي تصغرني بثلاث سنوات، وهذا الأسبوع الثاني لها في الجامعة، وللمرة الأولى أجلس معها بغير منزل جدي، ذلك الإحساس الغريب بأن جدي سيظهر الآن من وراءها ويقول:”قومي جيبي القهوة” وأيضًا شعرت أخيرًا بأنني أنتمي لمكان ما بوجودها، وستفزع لي عند حاجتي إليها، مع أنني أنا التي سأفزع لها بخبرتي للمكان، إلا أنني سعيدة برؤيتي لوجهها اليوم.