أشعر بأعين جميع الموجودين بالمقهى مصوبة علي، أتحاشى التواصل بصريًا مع أحدهم، أصب نظراتي على هاتفي وكوب القهوة الذي حرق مريئي. ينزلق هاتفي من يدي إثر العرق، أمسح باطن كفي على فخذي، وأعيد إمساك هاتفي بقوة. اضغط بإبهامي على شاشة الهاتف الصغيرة، ممررًا الصفحة البيضاء للأسفل، أشعر بحرارة الهاتف ترتفع، ويظهر لي إشعار نفاذ البطارية وخيار تشغيل توفير وضع الطاقة، أضغط بعصبية على خيار التشغيل وأكمل بحثي عن قناة تقوم بتعليم فنون التعليم عن النفس بعد الحرج الذي تعرضت له اليوم.
خرجت من عملي متأخرًا، لم أستطع اللحاق بغداء المنزل، وتم إلغاء طلبي بسبب مشكلة في تطبيق التوصيل، لذلك كل ما تناولته على الغداء كان الحسرة والغضب. طلبت من أختي الكبرى أن تعد لي شيئًا آكله، لكنها طلبت مالًا مقابل ذلك، كنت سأدفع إلا أنني لم أتقاضى مرتبي بعد، رفضت خصوماتها ولم أرد أن تزيد ديوني منها، قمت بصنع شطيرة جبن سائل محشية برقائق البطاطس، وكوبًا من الشاي، تناولتها على مضض بسبب الخبز الذي انتشر وتفتت في حضني، خبزًا يبلغ من العمر ثلاثة أيام، جمعت ما سقط منه بشفقة على نفسي وحاولت ابتلاعه بدون أن أحاول تذوقه أو الإحساس بقوامه المتناثر اليابس في فمي.
حاولت أخذ غفوة بآخر ما تبقى من عصرية الصيف الطويلة، إلا أنني حالما وضعت رأسي على الوسادة، قامت والدتي بتشغيل المكنسة الكهربائية التي ورثتها من جدتي، تبتلع كل شيء إلا الأوساخ، ينفصل خرطومها بعد أي حركة، وسلكها قصير جدًا لدرجة أن والدتي تضطر إلى فصله وإعادة توصيله في كل خمس دقائق لمقبس كهربائي آخر. لم أستطع النوم، حاولت وضع الوسادة فوق رأسي لكنها لم تنفع، طلبت من والدتي بصوت مرتعش يملأه الرجاء بأن تتوقف وتؤجل عملية الكنس إلى وقت آخر، إلا أنها رفضت بحجة أنها تستغل غياب والدي عن المنزل لكي لا ينزعج من أصوات التنظيف. عدت لغرفتي، استلقي على سريري، أشاهد السقف، أشعر بأن السقف يشاهدني بدوره، يضحك، يقترب شيئًا فشيئًا، لا أمانع إطباقه علي، أتمنى لو أن يقوم بذلك بشكل أسرع، إلا أنه يتراجع عن قراره، ويعود لمكانه، يقطع توسلاتي للسقف رسالة من مجموعة أصدقائي التي قمت بكتم رسائلها، أظن أن سنة من الكتم مضت بسرعة هائلة لم أشعر بها، لذلك حالما دخلت لإعادة كتم الرسائل قبض علي بقراءتي لرسائلهم، سألوا عن غيابي، دعوني لتناول العشاء معهم في الاستراحة، لم أجد بدًا من موافقتي مع إصرارهم، لعلها تكون خير ختامًا لليوم، وافقت على مضض، وقلت في نفسي”هل من الممكن أن يسوء اليوم أكثر؟”ونهضت لتغيير ملابسي.
وصلت للمقهى الذي اعتدت على شرب قهوتي المسائية فيه، وفي مواقف السيارات استوقفني شخص نحيل البنية، حلقت ذقنه بغير اهتمام، يرتدي نعلًا جلدية مع شورت جينز، لم استغرب، فالعديد من الشبان يملكون ذوقًا مثيرًا للعجب هذه الأيام. يسألني عن أحد المقاهي التي اسمع اسمها للمرة الأولى، ما إن اخفضت بصري لأخرج هاتفي من جيبي الأيمن من ثوبي، قام الرجل بإمساك جيب ثوبي الأمامي، وسحبه بقوة ليتمزق الجيب بأكمله، ومع أنني أمسكت يده اليسرى إلا أنني لم استطع عمل أي شيء، أخذ جيبي بما يحتويه كاملًا وهرب، صرخات وشتم أسمعها من حولي، حتى أن صبيًا قام بمحاولة اللاحق به، وكل ما فعلته أنني جلست القرفصاء بمنتصف الشارع، وبكيت.