في البداية أود القول بأنني شاهدت أفلامًا أفضل من هذا، لكنه الفيلم الوحيد الذي حلمت به مباشرة بعد مشاهدته، ولم استطع النوم بعد استيقاظي، لذلك أظنني سأكتب عنه بعد فرضه لنفسه عليّ. انقروا هنا لمشاهدة الإعلان الترويجي للفيلم.
تدور أحداث الفيلم حول أوتيس، ممثل سينمائي مراهق، يجد نفسه في مركز إعادة التأهيل للمدمنين، يعاني في التعوّد على الحياة بدون شراب، وتتفكك القصة تدريجيًا للسبب الرئيسي الذي بسببه أصبح مدمنًا، ويقول بهذا الصدد:” أبي ليس السبب في أنني أشرب، إنه السبب في أنني أعمل.”
يتفاجئ أوتيس بتشخيصه باضطراب ما بعد الصدمة، يتمحور الفيلم برواية قصته منذ بداياته في التمثيل، قصة متسلسلة، واضحة، مؤلمة. يبحث فيه المشاهد عن نقطة التحول، فهو لا يصرخ بها بوجه المشاهد، بل يجعله شريكًا في التحليل. ترغم الطبيبة في المركز أوتيس بكتابة قصته ليستطيعون تفكيكها ومعالجته، ومن هنا تبدأ مرحلة التذكر.
نقد الأفلام ليس باختصاصي، لكنني أجزم كمشاهدة بأن التصوير والإخراج والموسيقى التصويرية لهذا الفيلم هي الأفضل، ولا أستطيع نسيان أية لقطة شاهدتها، عمل متكامل، ولا أنسى القول بأن مدة الفيلم ساعة ونصف وهذه ميزة بالنسبة إلي.
قصة أوتيس تأتي كصندوق كامل من المعاناة، لا تتمحور فقط حول معاناة ممثل بشق طريقه للنجومية، وإنما معاناة طفل مع التعنيف، الاستغلال، الإدمان، الفقد، الفقر والحرمان. ومما زاد الطين بلة، الممثل الذي قام بآداء الشخصية في صغرها أبدع في تقمص الشخصية، ويخيل لي بأنه يمثل قصته هو، وليست مجرد أسطرحفظها ليؤديها.
وبخصوص هذه اللقطة، انقروا هنا للمشاهدة، فقدت القدرة بعدها على الحديث، ذكرتني بطفولتي، كثيرًا ما تخيّلت حاوارات لم ولن تحدث، تعاطفت مع الممثل لأبعد حد، حتى تمنيت أن أدخل الفيلم لمعانقته. صدمات وصدمات وصدمات، ويستنكر أوتيس المراهق تشخصيه باضطراب ما بعد الصدمة، بظنه أن ما حدث لا يغدو سوى هفوات من والده، وينكر بشدة كونه ضحية.
فيلم هادئ، درامي، حزين، تشوبه بعض اللقطات المخلّة، لا يصلح للمشاهدة العائلية.
ولم تنتهي هنا القصة بعد، فبعد انتهائي من الفيلم، وكالعادة، أبحث عن الممثلين، الكواليس، وعن لقاءات ومقابلات تلفزيونية. وكان اكتشافي هذا كالصاعقة، فقصة الفيلم حقيقية! وأن الممثل الذي قام بدور الأب ليس سوى الضحية الفعلية، قام الممثل شيا لابوف بتأدية دور أبيه، وشرارة البداية لهذا الفيلم كانت فعلًا داخل مركز إعادة التأهيل، فبعد كتابته لقصته في دفتر لتحليلها مع الطبيبة، أراد تخليدها في فيلم. والمفاجأة الثانية كانت بأن الأحداث الموجودة بالفيلم لم تكن كلها حقيقية، فبعضها كان من خيال الكاتب نفسه، قام بتبهير قصة حياته ورمي بعض التهم على والده، والذي قال بأنه لم يضرب ابنه قط، إلا مرة واحدة عندما وجد ابنه يدخن في دورة المياه، وهذا ما يناقض جزءًا كبيرًا من الفيلم. إلا أن والده قال بأنه لا يستنكر ذلك تمامًا، ففي النهاية، تلك مشاعر طفل، ومن الممكن أن طفله شعر مرارًا بأنه يضرب، بدون أن يشعر جسديًا بذلك.