آخر يوم دراسي، أخيرًا لا واجبات، لا اختبارات، لا مزيد من رؤية الأوجه الغبرة، ولا مزيد من طعام المقصف البارد. ترفض المدرسة القيام بحفل تخرج، كإشارة أخيرة على السيطرة، تتحطم الآمال بصنع ذكريات أخيرة، ويبقى الأمل معلقًا بحبل رقيق على العائلة.
آخر ما توصل له الناس بحفلات التخرج هو احتفال البوابة، تنفجر البالونات منطلقة إلى الهواء، وينثر الورد، وتصدح الأغاني. تستقبل العائلة ابنتهم بالهدايا والكعك والأحضان أمام بوابة الخروج من المدرسة، غير عابئين بالموجودين تمامًا، كما لو أن الشارع أصبح صالة المنزل.
لكنها تعلم يقينًا بأن هذا لن يحدث أبدًا، قرض المنزل يجلس متربعًا على ظهر والدها، ووالدتها قد هجرت صنع الحلويات منذ قرون، لا كعك ولا شوكولاته، وإخوتها بالطبع لن يهتموا أبدًا. وبالرغم من هذا كله، تمنت على الأقل لو يبارك له أحد بتخرجها من دون أن تذكرهم بذلك.
تخرج من بوابة المدرسة إلى سيل من السيارات الملونة، عبارات تهنئة على النوافذ والأبواب، بالوانات قادرة على رفع السيارات إلى السماء، كما حدث في فيلم Up ، ارتفع البيت إلى السماء بفعل البالونات، وهنا سترتفع السيارات براكبيها ببالوناتهم. أغاني تختلط ببعضها البعض، كشتائم بدلًا من تهاني، ودموع بكل مكان، على العبايات، على باقات الورد، وعلى الهدايا. تمشي نحو الزاوية التي اعتاد والدها الوقوف عندها، تقفز على نهر صغير من الماء، وتترائى لها دموعها تسير من تحتها، تصل إلى السيارة السوداء الوحيدة، وقبل أن تصعد إليها، تصدم بها بالونة أضاعت صاحبتها الحقيقية، تمسكها من حبلها الأبيض وترميها خلفها.
تسلم على والدها ويرد عليها السلام، ينتهي الحوار عند ذلك الحد، وكأنها غير موجودة بالسيارة، تضع جبهتها على زجاج النافذة، تتأمل الشوارع، ماذا لو تحولت الآن لشبح؟ هل سيفتقدها أحد؟ لو خرجت روحها الآن في هذه اللحظة هل سيندم والدها على صمته هذا؟ تخرج دمعة واحدة يفشل والدها بملاحظتها، تمسحها سريعًا قبل ينتبه لها، وتفكر بمزايا الموت، الموت هو الطريقة الوحيدة لتشعر بها بأنها كانت على قيد الحياة.
تدخل للمنزل، لا استقبال ولا حفلة، يوم كأي يوم، تشعر بأنها تحولت لشبح فعليًا، لا أحد ينظر إليها، لا أحد يسألها عن يومها حتى، تدخل للمطبخ لعل والدتها تقوم بذلك، بمساعدة إحساس الأم الذي يستشعر قدوم الخطر، وكأن إعصارًا يدور بالمطبخ، تدور أمها في كل الجهات، اهتمام غيرطبيعي بوجبة الغداء، لم تلاحظ ابنتها تدخل للمطبخ حتى. تخرج من المطبخ موقنة تحولها لشبح، وأخيرًا ستجرب الدخول بين الجدران كداني الشبح.
لم تقم أي من أخواتها بتصويرها بكاميرا السناب تشات ولو للضحك، تدخل غرفتهم المشتركة، وكأنها لم تدخلها، لم ترفع إياهن أعينها لرؤية الشخص الذي دخل للتو إلى الغرفة. تستلقي على ظهرها بصمت، تتخيل الجميع يبكي على فراقها، نادمين على صمتهم هذا، على جفافهم، وعلى عدم احتفالهم بها، تنام بوضعيتها تلك، بملابس المدرسة، بدموع التحول لشبح، وأمل فعلي للتحول إليه.
تستيقظ على إزعاج وأصوات طقطقة، تبدل ملابسها بغرفة خالية، وقت قهوة المغرب، الجميع بالأسفل، تحاول تمرين وجهها وتحريكه لإخفاء انتفاخ البكاء، وتستعد للنزول، فلم تأكل شيئًا منذ الصباح، ولحسن الحظ بأنها لم تأكل، لأن الكعكة التي صنعتها والدتها للاحتفال بتخرجها أطول منها، والهدايا التي وجدتها على طاولة الصالة أغلبها أطعمة أرادت تناولها بشدة، يعانقها الجميع، ولم يكن تحولها لشبح إلا لمنع الجميع من إفساد المفاجأة.