كبداية، لم يكن أول يوم لي في المنزل بدون دوام بهذا السوء. أكثر شيء سمعته بعد تخرجي :”بتجيك غلقة أول يوم دراسة، بتتضايقين، لأنك الوحيدة اللي ما عندها شيء، ولا تجهزتي لشيء.” إلا أنني شعرت بالعكس تمامًا، الكثير من أول يوم، والكثير من الأحاديث للاستماع لها. مهمة الاستماع وحدها تحتسب عن يوم دوام كامل. تتغير هذه المهمة أحيانًا وتتحول إلى مهمة قائمة على سحب للمعلومات، أوعلى التمثيل، فالحادثة قد يعاد سردها أربع مرات، في أربع أوقات مختلفة من اليوم، ولئلا ينكسر خاطر المتحدث، نمثل سماعها للمرة الأولى. اليوم هو اليوم الأول لأول طفل من العائلة يدرس الروضة، فيصل أصغر العنقود. ولأنه أصغر العنقود أولًا، ومحطم العادات العائلية ثانيًا، فقد كان الحدث الأهم. سمعت عن يومه الأول في الروضة أربع مرات، واستمر الجميع بالحديث عنه طوال اليوم، ولا أنسى الصور المرفقة ليومه في قروب العائلة، ووعود من قبل والدتي لصور أكثر احترافية ستقوم بالتقاطها في الغد. أدعو من كل قلبي أن تتحمل مساحة هاتفي صور الغد، وألا يطردني من الواتس.
في وسط أحاديثنا عن فيصل ويومه، تذكرت والدتي خبرًا مهمًا نسيته يتدلى بين يوميات فيصل، أخبرتني بأن إحدى الموظفات هناك سألت عني، وكعادتي بأخبار كهذه تهللت أساريري، أي معلمة يا ترى التي ما زالت تتذكرني؟ أهي معلمة أصلًا؟ أو إحدى صديقاتي اللاتي توظفن مؤخرًا كمعلمات روضة؟ طرحت أسماء صديقاتي اسماً اسمًا، إلا أنني لم أصب في أي منها، تلاشت ابتسامتي تدريجيًا بسماعي لأول حرف من اسمها، حرف الباء، وكيف لي أن أنسى أول حرف من اسم الشخص الذي دبر لي أول لقاء لي في هذه الحياة مع التمييز والمعاملات الخاصة، وأقصد بالتأكيد المعاملة الخاصة ضدي.
والآن، تقوم هي بالإشراف على أخي الأصغر.
إلا أن الموضوع لم يسبب قلقًا لي، ففيصل تقريبًا تربى على يدي، وفي اللحظة التي يشهد فيها على سوء معاملة، سيعبر عنها بطريقة ما، إما بالاضراب أو التشهير، ولن يقوم بالتستر على الخطأ كما فعلت أنا. أود بشدة زيارتها، ليس لشيء وإنما لأقابل الشخص الذي شكل مسبقًا أكبر مخاوفي، سأحادثها بشخصيتي الحالية، وأعيد تقييم علاقتنا مجددًا من منظار جديد، لا أود الاحتفاظ بالذكرى القديمة، وأود استبدالها، وأتمنى بأن تكون فعلًا تغيرت كما تغيرت أنا.
أتذكر جميع أيامي الأولى، يومي الأول في المرحلة الابتدائية انتهى بدون أي ذكريات مميزة، لم أبكِ، ولم ألاحظ غياب والدتي أصلًا، فقد أدخلتني المدرسة ورافقتني لغرفة الاستقبال واختفت فجأة اثناء انغماسي باللعب. قلت في اليوم الثاني عند استيقاظي للمدرسة:”اليوم بعد بروح المدرسة؟” أجابت والدتي:”ايه بتروحين كل يوم.” نهضت من السرير وشرعت بالاستعداد، استسلمت هكذا بكل بساطة لواقع المدرسة اليومي بدون تذمر، وأعتقد صدمتي بجواب أمي البارد والحقيقي شجعتني لتقبل الفكرة. وأما بالنسبة للمرحلة المتوسطة فيومي الأول كان مليئًا بالصخب، فكل زميلاتي من المرحلة الابتدائية موجودات بنفس الفصل معي، يبلغ عددنا عشرة طالبات، وأما الطالبات الجدد اللاتي انضممن إلينا فيبلغ عددهن ثلاثة أضعاف عددنا، فكانت فرصة لي للتعرف، ولم ينتهي اليوم إلا بمعرفتي لكل طالبات الصف الأول المتوسط، البالغ عددهن حوالي الستين طالبة. وأما عن المرحلة الثانوية فكنت الوحيدة التي اختارت المدرسة الثانوية الأولى، نظرًا لكونها إحدى المدارس التي تتخذ منهج المقررات. يومي الأول في المدرسة الثانوية الأولى كان حافلًا من ساعات الصباح الأولى، ولعلي أذكر القصة بالتفصيل في تدوينة أخرى، إلا أنني قررت بشكل مفاجئ قص شعري قبل الذهاب للمدرسة. قصصت شعري حتى كتفي، وقد كان طويلًا نسبيًا، ولا أعلم أي سبب يوضح لي قراري حينها. ذهبت للمدرسة بشعر مقصوص حديثًا، غير متساوي الأطراف. قضيت الأسبوع الأول كاملًا أحاول حفظ مكان فصلي، وتعرفت على جميع الطالبات من كل المراحل خلال هذا الأسبوع الأول. وأما بالنسبة للجامعة، قضيت يومي الأول مع زميلات المرحلة الثانوية، تجولنا في كل زاوية وشبر في الجامعة، دخلنا كل القاعات، وجربنا جميع الآلات، وقد كانت هذه هي المرحلة الوحيدة التي قضيت أيامها الأولى بدون أن أتعرف على كل نفس بشرية تشاركني المبنى الاسمنتي.
أما عن يومي الأول بدون دراسة، قضيت يوم الأحد بمساعدة أخي عبدالعزيز لحل واجباته، والاستماع للأيام الأولى لإخوتي بصبر، وطلب مني في الحقيقة تجليد الكتب إلا أنني تعذرت بكتابة التدوينة وأجلت التجليد للغد. وأفكر الآن بتعديل نومي الذي انعكس بسبب يوم واحد من السهر.
وحتى الاثنين القادم، وحتى ألتقي برئيسة كبار الشخصيات التي تبدأ بحرف الباء، إلى اللقاء يا أصدقاء.