على العكس من كتابي الأول ثلاثة، فلا أمتلك الكثير من الكواليس للكتابة عنها، فلم أشعر بالقلق من ردة فعل عائلتي، ولم أشعر بعبئ الترويج، إلا أنني خشيت ألا يرى النور أبدًا؛ لأنني عقدت العزم على ألا أنشره على نفقتي، وإنما أردت يتم تبنيه من إحدى دور النشر، وإن لم أكن شعرت بالقلق من ردور الفعل، شعرت بالقلق من الرفض.
وبالفعل قوبلت بالرفض من دار أدب، وكانت تلك الرسالة أول رسالة رفض أتلقاها بحياتي، ولم أشعر سوى بإحساس مشابه لـ”كيف تجرؤ الدار على رفضي أنا؟” فكانت معاييري بالنسبة لفكرتي وتنفيذي مرتفعة، وظننت بأن الجميع يفكر كما أفكر أنا، وبأنهم شهدوا على عملي الجاهد بالكتابة والتحضير، إلا أنهم لم يروا إلا عشر صفحات -حسب طلبهم- والدار لا تعلم أي شيء عني سوى اسمي الموجود بالايميل. قد أكون أرسلت أسوء عشر صفحات من كتابي كاملًا، أو قد لا يكون أسلوبي الكتابي ورؤيتي تتناسب مع الدار. لم يثنيني ذلك عن المحاولة مجددًا، أرسلت الكتاب لعدة دور نشر أخرى، وعقدت العزم على عدم ذكر دار أدب في خطاب فوزي بجائزة البوكر.
*
أجلس على سرير مزدوج أتشاركه أنا ومنيرة أختي، نفصل بيننا بوسائد صغيرة مربعة، وذلك بسبب عدم قدرتنا على إيجاد شقة مناسبة تحوي سريرين مفصولين. جو الخبر الرطب يقودنا للجنون، ويستعلم اخوتي عن وصول مندوب العشاء كل خمسة ثوان، بينما يشاهد والدي مباراة الستي من خلال آيبادي ويخرج بالغلط من البث بعد كل لمسة، مما يجعلني ألبي النداء لتعديل البث كل عشر دقائق. وفي أثناء هذا كله، خضت مكالمة هاتفية مع المديرة التنفيذية لدار مدارك، أخبرتني فيها أن كتابي نال إعجابها شخصيًا، وأن دار مدارك ستتكفل بنشره وتبنيه. وبعد عدد مرات لا تحصى من محاولات التواصل مع دور النشر، سألتني عن عمري ولم أستطع تذكره بسبب تأثير المفاجأة.
لم أحتج للتعديل على أي جزئية، ولم أنتظر مطولًا للتحرير، وحتى الغلاف كان جاهزًا. في غمضة عين، أصبح كتابي الذي سهرت من أجله، لكتابته والتفكير في مستقبله ومستقبلي، أصبح كتابي جاهزًا.
تأهل كتابي لجائزة إثراء، صحيح أنني لم أفز، إلا أن التأهل نفسه كان شرفًا، فلم أطمح أصلًا للمشاركة بالمسابقة، ولم أعلم عنها في المقام الأول، إلا أن الدار قامت بإرسال الكتاب. وهذا لوحده كاف بالنسبة لي، أن يؤمن شخص واحد عداي بقدراتي كاف، فما بالي بدار نشر كاملة؟ والتأهل في مسابقة ما، وعدم الفوز فيها لهو شعور مألوف جدًا إلي، لذلك لم تشكل الخسارة عبئًا، بل إن الفوز فيها سيشكل ذلك.
كان العمل على الكتاب ممتعًا بشكل لا يصدق، وأظن ذلك يعود إلى شعور الألفة الذي يحوطني أثناء الكتابة. فالأجواء التي كتبت عنها كانت مقاربة للتي عشت فيها أنا. وهذه أهم نصيحة قد أعطيها لأي كاتب، أكتب عن الشيء الذي تألفه. الكتابة عن المألوف سهلة، تتناثر المفردات والمرادفات بشكل مهول، وتتوفر خيارات كثيرة للشخصيات، مما يتيح وصف أدق وأسهل. ولا تتبقى سوى الحبكة التي تعتمد على مزيج من التخطيط والخيال.
أختم هذه التدوينة بتلميح صغير، وسأقول بأن كتابي ليس الشيء الوحيد الذي سينشر هذه السنة، وإنما في جعبتي شيء آخر ينتظر أن يرى النور قريبًا.
الحمد لله أقصى مبلغ الحمد، والشكر لله من قبل ومن بعد.
وحتى الإثنين القادم، إلى اللقاء يا أصدقاء.