وضعت الورد في مزهريات، قامت برمي التغليف، وضعت المتبقي من الكعك في الثلاجة، وضعت الهدايا في أماكنها، الاكسسوارات في العلبة، الملابس في الدولاب، والمال في الحصالة. وكأي ليلة أخرى، بدلت ملابسها، نظفت أسنانها، غسلت وجهها واعتنت به على الطريقة الكورية، سبع طبقات من المستحضرات، استعدت للنوم، لكن شيئًا ما يمنعها عن إغلاق عينيها، تقول في نفسها:”ليه أحس إني مو سعيدة؟” تخرجت من المرحلة الثانوية بمعدل ممتاز، وأقيمت لها حفلة، وغرقت في الهدايا، لكن هاجسًا باردًا يسيطر عليها، وكأنها لم تقم بأي شيء يذكر.
في أثناء اجتماعهم على العشاء الذي أقامته خالتها على شرف قبولها في الجامعة، قالت ابنة خالتها التي تكبرها بخمس سنوات:”الحمدلله أبشركم إن التطبيق الي سويته عشان الشركة قبلوه وبيتم تدشينه قريب.” وفي وسط التبريكات التي أحاطت ابنة خالتها، عقدت العزم على دراسة البرمجة، أو على الأقل أخذ دورة فيها، بالرغم من قبولها في تخصص الترجمة.
تخرجت من الجامعة بمعدل ممتاز، وبشهادة من معهد معتمد في البرمجة، صممت تطبيقًا لإحدى الشركات المرموقة، وترجمت كتابًا، وبالرغم من هذا كله، تستلقي على سريرها، تراقب السقف، وكأنها لم تقم بأي شيء يذكر. تتقلب على سريرها بدون أي علامة تدل على أنها ستنام قريبًا. تقوم بتشغيل هاتفها، تبحث عن إعلانات وظيفية، ترسل إيميلات بسيرتها الذاتية لعدد من الشركات ودور النشر، لتنام بعد ساعة من الإيميلات الغير منقطعة.
تستيقظ بعد عدة أيام على رسائل تطلب منها الحضور للقيام بمقابلات شخصية، تختار الاسم الأكثر شهرة وتذهب إليه. تقوم بالمقابلات على أكمل وجه، تعود للمنزل بإحساس عام بعدم الرضى على آداءها بالرغم من امتداحهم لها، تسعى للآداء الأمثل، للإنجاز الأفضل، للرتبة الأعلى، حينها ستشعر بالرضى عن نفسها.
توظفت في شركة وبدخل مناسب كموظفة جديدة، وظيفة تحبها وزملاء عمل متعاونين في بيئة عمل صحية، إلا أنها تقدم استقالتها بعد عدة أشهر، تقول:”المكان مو مكاني، ما أحس إني سعيدة ولا أحس إني أنجز شيء.” تتنقل بين الشركات والوظائف والعمل الحر، تدرس الأمن السيبراني كما تدرسه قريبتها، تأخذ الشهادة وتكنزها مع باقي شهاداتها، تتعلم لغة ثالثة كما يتعلمها أخوها وتضيفها لسيرتها الذاتية، تجمع بشراهة الشهادات والخبرات والتجارب بدون أن تشعر بأي شيء تجاهها سوى الفراغ.
يوم عادي، قررت به أن تأخذ إجازة من كل شيء، أن تعيش يوميًا خاصًا بها. استيقظت فجرًا، قرأت كتابًا قصيرًا وأتمته، خرجت لتشتري الفطور لها ولوالدتها، استقبلتها والدتها بامتنان كبير وابتسامة أكبر كون ابنتها لم تقم بشيء كهذا من قبل، خضن حديثًا صباحيًا شيقًا، تحدثن عن الحياة والعمل والأقارب ووصفات الفطور ومشهورات مواقع التواصل الاجتماعي، أعقبت ذلك بتمرين في النادي وقهوة أعدتها في المنزل. أعدت الغداء للمرة الأولى لأسرتها، وقوبلت بالمديح والثناء، واختتمت يومها بمشاهدة فيلم مع إخوتها ووالدتها.
استلقت على سريرها، لم تستطع النوم، تفكر في كل ما قامت به خلال يومها، ولم تشعر بالإنجاز كما شعرت به اليوم.
——
أتتني فكرة هذه القصة قبل يومين، ولم أستطع كتابتها إلا اليوم صباحًا بشكل مستعجل، وأرغب بكتابتها مجددًا في يوم آخر من وجهة نظر مختلفة. لكنني أود بشدة أن أضع فكرتي على الأسطر مباشرة، وهي ما كنت أفكر به في الأيام الماضية.
فكرت كثيرًا بأهمية تعريف الإنجاز لكل شخص، فتعريف الإنجاز يساعد بشكل كبير على اتخاذ القرارات وحل المشكلات ويعطي إحساسًا عامًا بالرضى. فمثلًا عندما نعلم يقينًا بأن إنجازنا يكمن في الارتقاء الوظيفي، سنعمل جاهدين على كل ما يقودنا لذلك، وسنشعر بالإنجاز في كل خطوة نخطوها لذلك الطريق، وهلّم جرًا.
إلى الإثنين القادم بتدوينة جديدة غير مستعجلة، إلى اللقاء يا أصدقاء.