لا أنفك عن الحديث عن الكتب، كل كلمة وكل حركة تذكرني بكتاب، كل خاطرة وموقف، وأنتهي دائمًا بسرد قصة الكتاب كاملة في دقائق متواصلة يجف بها ريقي. لا أعلم إن كان ذلك هوسًا أو مرضًا يجب أن يعالج، لكنني أعلم يقينًا بأنني لن أتغير. أعشق ملمس الصفحات، ورائحتها، وفكرة أنني أمتلك مكتبة، وملاحظات مكتوبة عن تلك الكتب في المكتبة، وصديقات يستعرن منها، -مع القول بأنني أوقفت الاستعارة بشكل كامل، إلا أنها ما زالت ممكنة للبعض- وأعشق تتبع طلبية الكتب، وقراءة الفاتورة مرارًا وتكرارًا، ولا أستطيع إمساك نفسي من تمثيل دور المتفاجئة بالكتب فور وصولها، وتعد متعة فك تغليفة الكتب البلاستيكية من أكبر المتع، صوت التغليف الممزق أشبه بتهويدة لأذني، تسترخي عضلاتي به وأهدأ. أحب تصوير كتبي فور وصولها، ومشاركتها والحديث عنها، بالرغم أنني غالبًا ما أشتري كتبي بدون أن أقرأ عنها مسبقًا، وهذا بسبب عادتي بعدم القراءة عن أي شيء بشكل مسبق سوى قراءة كتيبات الأجهزة الالكترونية قبل تشغيلها. بمجرد قراءتي عن كتاب أو فيلم أضيفه لقائمة القراءة أو المشاهدة بعد تمحيصه والتأكد من مناسبته لذوقي، وعندما أقرر بعد مدة أن أطلب كتابًا أو أن أشاهد فيلمًا فأفتح القائمة وأختار حسب الأسماء لا القصة، تستطيعون القول بأن أي عمل يدخل قوائمي يستحق القراءة والمشاهدة بالنسبة إلى ميولي، وبذلك عند طلبي عن الكتب أثق تمامًا بأن كل شيء موجود بالقائمة ضمن دائرة اهتمامي ورغباتي. أهوى طقوس اختيار الفاصل المرافق للكتاب، وأهوى طقوس اختيار الكتاب القادم، والتي أحيانًا تستعر إلى درجة إعداد قائمة قصيرة بالكتب التي سأقرأها خلال الشهر لأرضي كل رغباتي، بالإضافة إلى أنني أخشى أن أنسى تلك الرغبات لذلك أعمد لتسجيلها. أحب تصوير الاقتباسات وكتابتها ومشاركتها، إلا أنني قللت من مشاركتها بعد أن قيل لي بأنهم يرون اقتباساتي كتعبير عن أفكاري الحقيقية، لذلك قررت عدم مشاركة بعضها خوفًا من الانكشاف الكامل أمام الجميع، انكشاف شعوري وشخصي وفكري، وهذا بلاء أبوك يا عقاب، فيمتلئ هاتفي بصور لأسطر محددة، بدون أن أشاركها أحدًا، وأنتمي لها لدرجة عدم قدرتي على حذفها.
لدي رغبة عارمة بالشراء من كل متاجر الكتب، ومن كل المكتبات، ولو كتاب واحد من كل مكتبة تمر بطريقي، ولدي رغبة عارمة أكبر من سابقتها بقضاء يوم كامل في مكتبة، أو على الأقل ست ساعات، من الممكن أن يكون يوم كامل في مكتبة مملًا بعض الشيء لو أردتم الحقيقة، لكنني لم أقضِ في حياتي قط أكثر من ساعة في مكتبة. ففي المرات القليلة التي ذهبت بها إلى جرير كان يأخذنا والدي قبيل آذان المغرب، فنركض معًا، ويلحقني مرددًا في أذني”تراه أذن وأنا أبوتس” فلا أستطيع قراءة حرف واحد بدون أن تختلط الحروف ببعضها مع كلمات والدي. أتسلح دائمًا بقائمة تساعدني على الركض بالممرات لأصل لكتبي التي أريد، وأحيانًا استغل إخوتي في البحث عنها ريثما أتمشى قليلًا، إلا أن تمشيتي سرعان ما تنقطع من حواجب والدي المرفوعة واقفًا في نهاية الممر مؤشرًا على ساعته، وإخوتي الذين يطؤون عبائتي أثناء بحثهم عن الكتب الغير منتهي بنتيجة، فاضطر إلى البحث عن الكتب بنفسي، وتنقطع عمليتي أيضًا باستشارات منهم وطلب اقتراحات لكتب لن تقرأ أبدًا.
ولأجل أن أعدل بين والدي ووالدتي، سأذكر والدتي كما ذكرت والدي. أظن بأنني ورثت قدراتي التمثيلية من والدتي، فهي درامية وممثلة محترفة كما أنا. ففي مرة طلبت بها كتبًا، استوقفتني في درج المنزل أحاول التملص بصندوق أطول مني، سألتني عما طلبته، فأجبتها بالصمت، وسألتني مجددًا وأجبتها بابتسامة، إلا أن والدتي سقطت على الأرض مغشيًا عليها، ولم يغشى عليها بالطبع لجمال ابتسامتي، وإنما لمعرفتها بأن ما بداخل الصندوق سوى الكتب. اضطررت لفتحه أمامها لأشرح لها حاجتي الشديدة لكل كتاب، وما أنقذني يومها أنني طلبت لأخي الصغير كتابًا تعليميًا كهدية، فسعدت به وسعدنا جميعًا بردة فعله ونسيت هي موضوع كتبي. وفي مرة أخرى قبضتني بها بنفس الوضع السابق، قررت والدتي عدم تمثيل الإغماءة -وليتها مثّلتها- وقفت تبتسم للحظات بوجهي، وظننت لوهلة بأنها أخيرًا رضخت لرغباتي، لكنها بسرعة البرق وبحركة سحرية لم أستطع بعيني المجردة ملاحظتها، بثوانٍ معدودة أصبحت نعلتها في يدها، وأراها مصوبة علي وتحديدًا على صندوقي العزيز، وهربت قبل أن يصبح أول ما تراه كتبي الغالية نقشة نعلة والدتي اليمنى. بررت والدتي ردات فعلها هذه في المرة الثالثة التي تمسكني بها بالجرم المشهود وقالت:”أنا أهم ما عندي إن مو كل فلوسك تروح على الكتب، ما أبيك تحتاجين فلوس نهاية الشهر وأنتِ قادرة تحافظين عليها.” وهذا ما أتبناه شخصيًا، وأتفهمها تمامًا، لكنها أوصلت لي الفكرة بشكل مروّع قليلًا.
والآن إلى الحديث عن الكتب. أخطط لقراءة الحرب والسلم في شهر شوال، ولا أطيق صبرًا لذلك، وسبب اختياري لشهر شوال هو نظام نومي الذي أعرفه جيدًا، ساعات سهر طويلة ونوم قصير وهذا ما أحتاجه بالضبط لرواية طويلة كالحرب والسلم. وأيضًا يتميز شهر شوال ببركة أيامه، وأتمنى بأن تطول بركتها لتصل لروايتي، لأستطيع قراءتها في شهر واحد وألا تطول لأكثر من ذلك. أود بأن أسجل هذه التجربة، لكنني في الحقيقة لا أعلم كيف؟ هل أسجلها كتابيًا بشكل يومي، أو أن أكتب ملخصًا نهاية كل فصل أو أن أصور مقطعًا أثناء قراءتي؟ وفي الحقيقة الأهم من ذلك كله، أن تعجبني الرواية، وأن أكملها وأقرأها عن رغبة ولا كشيء يجب علي إتمامه.
وفي هذه الأيام أقرأ تاريخ الأدب العربي لأحمد حسن الزيات، ولم أتوقع أبدًا بأن الكتاب ممتع إلى هذه الدرجة! لا أستطيع التوقف عن قراءته، ما أن أبدأ فصلًا حتى أنتهي منه بدون علمٍ مني، إلا أنني أذم اختصاره الشديد جدًا، ففي حديثه عن عنترة لم يتطرق أبدًا لحبه وعشقه وهي أساس ما يعرف عنه. وقد يكون ذلك مبررًا لكثرة المواضيع التي يتحدث عنها، إلا أنها معلومة أساسية بالرغم من ذلك، وأشعر بأنني أقرأ نسخة مقننة، فمكتوب على الغلاف بأن هذا الكتاب لمدارس الثانوية العليا، وقد تكون النسخة الأخرى مختلفة عما أملك، وحتى مع هذا، فمعلومات أساسية كثيرة من وجهة نظري لم تكتب.
وأقرأ أيضًا كتاب السرقة من المسلمين، كيف شكلت العمارة الإسلامية أوروبا، وهو كتاب أثار فضولي بشكل غير محتمل، فلم انتظر لحتى شراءه، وإنما قمت بتحميله على الكندل، وبذلك انتقمت من الأوروبيين وسرقت كتبهم عن طريق قروبات التيليقرام. ولكنه للأسف خيّب ظني، فهو من الكتب المتخمة بالمعلومات التي لا تتطرق للعنوان الرئيسي، قرأت منه ما نسبته ١١ ٪ ، وأنوي بإذن الله على الأقل الانتصاف فيه ههه.
كشيء غير متوقع، أو متوقع مني على الأرجح، وقعت في براثن اهتمام جديد، ألا وهو المباني والتصاميم والعمارة، فأشاهد مقاطع لأبنية وحجرات وشروحات هندسية وأبحث عن كتب تشفي فضولي هذا، ولهذا السبب قرأت كتاب السرقة من المسلمين كسبب رئيسي، ولأنه خيب ظني قمت بشراء كتاب عمارة السعادة، وأظنه سيشفي غليلي وسيمدني بما أنا أتوق له بهذا المجال، وأما عن متى سأقرأه ههه هذا هو السؤال الذي أنا نفسي لا أستطيع إجابته.
وحتى تدوينة الإثنين القادمة، إلى اللقاااااء يا أصدقااااءءءءء
*اضغطوا على أسماء الكتب لتجدونها في المتاجر