في خضم تسارع الأحداث، وتزاحم الطالبات في المسيرة، شعرت بالبطء الشديد، شعرت بالجميع يتحرك ببطء إلا أنا؛ والسبب يعود إلى عمتي وضحى.
أرتعش، أقفز، أوحاول الصراخ فتمنعني المُنَظّمة، يشعلني الحماس، تضحك سديم صديقتي على أي شيء أقوم به ويدفعني ذلك للجنون أكثر. أبحث عن والدتي بين الحضور، أزعج سديم بمساعدتي بالرغم من انشغالها هي بالبحث عن والدتها. أجد والدتي بغير صعوبة، كونها غير مهتمة بالحديث مع أي أحد، تجلس لوحدها في نهاية الصف. تنكسر يدي من التأشير، لا تراني، الجميع يسمعني وينظر إلي إلا والدتي، إلا أنني أنجح بجذب انتباه عمتي، تراني من الأعلى، أو هذا ما يخيل إلي، كونها ترتدي النظارات. نجحت بالنزول إلى الأسفل بدون أن يتم دهسي، وبدون أن أنسى المشي بانشغالي بالحديث.
أنزل من درج لولبي، في بهو يشع بالبياض، أتشبث بيد سديم كما تشبثت بها طوال سنواتي الدراسية، أستنجد بضحكتها وكتفها لأضع رأسي، أمسك بيدها ونتوجه إلى المسرح، نصعد الدرج، أو الدريجة بالأصح لحجمها الصغير الذي ينفي صفة ارتفاعها عن الأرض. أشعر بتوقف الوقت، أجد متسعًا لألتفت إلى الجمهور، أبحث عن وجه والدتي للمرة الأخيرة ولكن لا أثر، لكنني أجد عمتي، تقف وتحييني، أرفع يدي لها وألوح بأقصى استطاعتي، ولكنني لم أجد ذلك كافيًا، فقمت بإرسال القبلات لها، وقامت هي بإرسالها لي أيضًا، شعرت بالجميع ينظر إلينا، كمن أطفأ الأضواء عن المكان ووجه إلينا إضاءة خاصة، كفيلم رومانسي أشبه بلالا لاند، كنت أنا وعمتي البطلتين الوحيديتين فيه، الشخصيتان الرئيسيتان، وخمسمئة من الممثلين الخلفيين.
وفي طريق ذهابي لمقعدي في الخلف، أمر بالعديد من الطالبات، أتوقف لمرات عديدة للسلام، أحضان تلو أحضان حتى وصولي للمقعد. لم يتبقى لي سوى طاولة وكرسي أضعهما في الخلف لأقوم بلقاء معجبين، وهذا ما شعرت به بسبب عمتي وضحى، أنني لست في حفل تخرج وإنما في حفلي الخاص.
في وسط فقرات الحفل، لم انفك بتخيل اللحظة التي ستقوم والدتي بها بإعطائي باقة الورد، تدربت على هذه اللحظة لليلة كاملة، بالتأكيد لن أبكي، لكنني سأفتعل اندهاشًا مقنعًا، سأحاول إقناع الجميع بأنني لم أشترِ هذه الورود لنفسي، وإنما والدتي من قامت بذلك. أترقب اللحظة على أحر من الجمر، ينتهي الحفل وأبحث عن والدتي. إلا أن الصدمة كانت بقدوم والدتي خالية الوفاض، سألتها بفعل الصدمة أمام الجميع عن باقة الورد ولم أمثل جهلي بها، إلا أنها أجابتني بأن المنظمات منعوا الجميع من تقديم الهدايا، وبذلك ذهبت تدريباتي على المفاجئة في مهب الريح، لكنني في النهاية ذهبت لاستعادتها بنفسي، وعلى الأقل حصلت على باقة ورد في حفل تخرجي ولو كنت أنا من أهديتها لي.
عدت للمنزل بقلب يملؤه الحب والفخر والامتنان، وأظنني سأعود لذكرى حفل التخرج لمرات ومرات لأستعيد طاقتي، لم نفعل أي شيء سوى الضحك والابتسام كما يجب أن يكون لأي احتفال. تغمرني الذكريات وأعود لأول يوم لي في الجامعة، وكأنني قطعت السنوات بغمضة عين.
حتى هذه اللحظة، وحتى بعد حفل التخرج، لا أصدق بأنني أنهيت الجامعة.
*آخر تدوينة في قسم يوميات جامعية ..