الشمس في عينيه مباشرة، يسأل بصوت منخفض”من فتح الستارة؟”، يتأوه من ألم ظهره، يصر بأسنانه، يغمض عينيه، ينجح بالنهوض بصعوبة بعد أن اتكأ على كتفه الأيمن لخمسة دقائق، يجلس وتلمس أصابع قدميه الأرض الباردة، لكنه لا يشعر بها، لذلك لا يعيرها اهتمامًا ويحاول الوقوف، يقف منتصبًا على قدميه، كما لو أن الوقت توقف تمامًا، لا حركة، ولا صوت. إلا أنه بحركة مفاجئة وضع يديه على أذنيه وصرخ بأعلى صوته، يترنح، يتمسك بحافة السرير، يجلس على طرفه، يصرخ مجددًا، يتقوقع على نفسه، يتنفس بصعوبة، ينتفض ويحجز جسمه بزاوية السرير واضعًا رأسه بين ركبتيه، متجاهلًا ألم ظهره وتصلّب عظامه، ويشاهد السقف يسقط تدريجيًا عليه.
الشمس في عينيه مباشرة، يسأل بصوت منخفض”من فتح الستارة؟”، لكنه هذه المرة لا ينهض مباشرة، يستمر مستلقيًا محدقًا في السقف، عشر دقائق مرت على نفس الحال، لا حركة ولا صوت، إلا أن صراخه يتكرر، ولم ينزل من على السرير وإنما كوّم المفرش وصعد فوقه، يصرخ طالبًا المساعدة، يقول”غرقنا، غرقنا”، يأخذ وسادته ويضعها تحت قدمه، يحاول أن يبتعد قدر الإمكان عن الأرضية، يخلع قميصه الرطب، يرميه على الأرض، يفرك جسمه العاري محاولًا أن يقيه من برودة الماء، يجلس القرفصاء في زاوية السرير، ينتظر وصول الماء إليه ليبدأ بالسباحة.
الشمس في عينيه مباشرة، يسأل بصوت منخفض”من فتح الستارة؟”، يجلس على حافة السرير، بلا أي دليل على الحياة، كتمثال حجري، يجلس لدقائق. ينهض مسرعًا، يدور في الغرفة، يبحث عن ملجأ، يعرج بسبب تنميل رجله اليمنى، يقول:”الله يستر، الله يستر”، ينتبه لطاولة ايكيا المربعة البيضاء بجانب سريره، يرغم نفسه على الجلوس تحتها، أو بالأصح تجلس الطاولة فوقه، تتدلى أطراف الطاولة من فوق رأسه، لا تلمس أرجلها الأرض، وتسقط من فوقها قصادير الأدوية وكأس الماء، ويظن بأن خشب إيكيا الرقيق سينقذه من سقوط السقف فوق رأسه بسبب الزلزال، يقرأ الأدعية بينما يضغط بطن الطاولة على رأسه.
الشمس في عينيه مباشرة، يسأل بصوت منخفض”من فتح الستارة؟”، يلزم الصمت لدقائق، ينطلق بعدها بالبكاء، ينشج، يمسح أنفه بقميصه، ينقلب على جانبه الأيمن، يبكي حتى ينبح صوته، يقول بصوت يكاد يسمع بسبب شهيقه:”الله يرحمك يا أبوي، رحت وخليتني”. ينهض بتثاقل، يمشي ببطء نحو المغسلة، يتأمل دموعه التي تتخلل لحيته البيضاء، يمسحها بيده ويقف صامتًا أمام هيأته في المرآة.
الشمس في عينيه مباشرة، يسأل بصوت منخفض”من فتح الستارة؟”، ينهض بنشاط على غير عادته، تصدر ركبته اليسرى صوت طقطقة، يقف على قدميه مستقيمًا، يحاول أن يتمدد يمينًا ويسارًا، إلا أنه فقد السيطرة على نفسه، سقط على جانبه الأيمن على الأرض، وصدرت الطقطقة من كتفه وساعده الأيمن هذه المرة، يتأوه بصعوبة، ولا يستطيع التنفس أو الوقوف، يستلقي على ظهره لمدة من الزمن ليغط بعدها في نوم عميق.
الشمس في عينيه مباشرة، يسأل بصوت منخفض”من فتح الستارة؟”، تؤلمه يده اليمنى بشدة، لا يستطيع النهوض بسهولة، يأخذ وقتًا في الجلوس، ينظر إلى ساعده البنفسجي المنتفخ، يلمسه بسبابته اليسرى، تؤلمه اللمسة بشدة، يبحث تحت وسادته عن حشرة قد تكون السبب في القرصة، يؤكد على نفسه بأنها قرصه بالتأكيد، وإلا متى سقط على يده؟ لا يتذكر سقوطه، يحاول النهوض، وينهض بصعوبة، يكمل يومه بدون أن يبحث عن السبب الحقيقي باصطباغ يده باللون البنفسجي.
الشمس في عينيه مباشرة، يسأل بصوت منخفض”من فتح الستارة؟”، يجيبه ابنه عن يمينه:”انت يبه ما تبي المكيف، وتفتحها كل يوم قبل تنام بالليل” ينظر للشخص بجانبه، يراه للمرة الأولى، إلا أنه يشبه ابنه بشكل كبير جدًا. يمد الشاب يده اليمنى له ليساعده على النهوض، وما أن أمسكها حتى آلمته يده، يرفع الشاب كم القميص الطويل ليشاهد يده قد زادت انتفاخًا، يسأل الشاب:”وش ذا؟ وراها يدك؟ أنت طحت؟” لا يعلم بماذا يجيب، يظل صامتًا، يسأل الشاب مجددًا:”يبه أنت أكلت حبوبك الي حطيتهن أنا عند راسك عشان ما تنسى؟” يستمر بالصمت.
ينهض الشاب ليجد علاج الأذن الوسطى والهلوسة تحت السرير، ولم تنقص حبة واحدة.
—-
إلى جدتي المصابة بالتهاب الأذن الوسطى والزهايمر.