السبت، الثلاثون من جمادى الأول
تتسرب أشعة الشمس من خلف الستارة، تسقط على النباتات فوق المكتب، أتأمل أوراق إحداها، هل ستسقط ورقة أخرى اليوم أيضًا؟ أتنهد بارتياح، ستعيش الورق ليوم آخر. أعود للنوم بتأنيب ضمير، لن أكتب تدوينة اليوم إذًا، أختلق عشرات الأعذار، استيقظ بعدها بساعتين، أستلقي لمدة ساعة كاملة، أتأمل السقف، لا يوجد أي سبب يدفعني للنهوض.
أفرش أسناني أمام المرآة، أنظر لوجهي، أشعر بالألفة لرؤيته، كصديق قديم، أحمله معي للغرفة، أفكر معه بطريقة لإمضاء اليوم، نفكر معًا بتفسير الظل الذي يقع عليه، نحاول لكن بلا فائدة، يحاول إقناعي بأنها ظلال إرهاق، أخبره بأنني لست مرهقة، وأحاول إقناعه بدوري بأنها تراكمات، يخبرني بأنني بالغة ولا تتراكم الأفكار على البالغين، ولا تترك التراكمات أثرًا، لكنني أراها عليه، على وجهي، لكنني أدعي عدم رؤيتها، لأجله.
أحاول إعادة ترتيب وجهي، أخبره بأنه فريد الطلة اليوم، يفكر بما إذا كان ذلك مديحًا، لكنه يبتسم لي. أمضغ طعامًا لأجل والدتي، أبتلعه بدون النظر إليه. أشاهد مقابلة لرفع مستوى الدوبامين، لكن لا فائدة. نخرج في نزهة عائلية، لم تتح لي فيها الفرصة للتأمل كما كنت أتمنى، عدت للمنزل بعد أن جرّبت القفز من أعلى الكثيب الرملي لأول مرة بعد عشر سنوات، نجحت تلك القفزتين برفع الدوبامين، لكنه سرعان ما استهلك بحيث تحتم علي رفعه مجددًا فور عودتي للمنزل. وضعت قناعًا مرطبًا لوجهي، أشعلت شمعتي المفضلة، شربت كوبًا من القهوة، تناولت إصبعين من الشوكولاته، ولم يرتفع الدوبامين قيد أنملة، وما زالت محاولاتي مستمرة، وسأشاهد فيلمًا وسأقرأ كتابًا، وقد يكونان الحل، وقد يكونان غير ذلك.
اليوم يصنف من تلك الأيام التي نخترع فيها أسبابًا بسيطة وغبية للنهوض من السرير، أن النباتات على المكتب ستموت اليوم إن لم نرشها بالماء، وأن الغيمة التي ترتاح أمام الشمس الآن تستحق أن تخلد في صورة لأنها قد تكون أفضل صورة للسماء هذه السنة، وقد يتفاعل معها المتابعين أخيرًا، أن قراءة الكتاب الذي أجلناه مرارًا اليوم سيحولنا لشخصيات ملهمة، وأن مشاهدة المسلسل الجديد سيكون شبيهًا بمستوى مسلسلنا المفضل، أن نستحم ونجرّب الصابون والمرطب الجديدين ونشعر بأننا أشخاص مختلفين، أن نضع قناعًا للوجه يقطن الثلاجة لأسابيع ونشعر بأننا استهلكناه بحكمة، وأن نأكل الشوكلاته المخبأة في الأدرج لأشهر قبل أن تنتهي.
اليوم يصنف من الأيام التي نسأل بها أنفسنا إن كانت محاولاتنا هذه كلها تستحق أم لا؟ كيف أصبحنا بالغين بهذه السرعة؟ هل نعيش الأيام التي حلمنا بها في صغرنا؟ هل نحاول من أجلنا أم من أجل شيء آخر؟ هل سنتناول غدائنا إن لم تخبرنا أمهاتنا بذلك؟ وهل سنكون أفضل في الغد؟ هل سنكون أفضل بمجرد النوم؟
تكمن أغلب مشاكلنا في الوقت الذي نقرر به التوقف عن كوننا يافعين، أو في الوقت الذي ننسى به كوننا يافعين، ننجرف في دوائر البالغين، أن نتصرف كما يتصرف أي شخص بالغ في عمرنا، وننسى نسبية معنى البلوغ، نتقمص الصمت والبؤس والتفكير الزائد بالمستقبل كشيء أساسي بالتقدم بالعمر، ننسى فسحة المتعة، فسحة التصرف كيافعين مجددًا، أن نركض ونقفز ونضحك على أخطاءنا. تتسرب إلينا جدية الحياة بالكامل، تسيطر علينا بحيث ننسى أن نضحك، وننسى أن نأخذ الحياة ببساطة، ويغدو العيش كتحدي، وليس كمغامرة، أن نحاسب الجميع على مقاييسنا الخاصة، وننسى بأنهم يملكون مقاييسهم الخاصة بهم.
وخلال كتابة هذه الأسطر، انطفأت شمعتي المفضلة وانتهت، وبذلك لم يتبقى سبب لي للحياة…
أمزح، يتوجب الآن علي شراء واحدة أخرى، وسيساعدني ذلك على دفع الحياة للسير، وبأسباب عديدة كهذه الشمعة نستطيع تبسيط عيشنا، أن نستيقظ لنستطيع شم شمعتنا المفضلة، وما أبسط إيجاد أسباب للاستيقاظ، ولكن يتوجب علينا أن نعطي أنفسنا وقتًا للتأمل لاختيارها.
ولا أخفي بأن أيامًا كاليوم التي لا نجد فيها سببًا للابتسام مفيدة لنراجع جديتنا في الأيام السابقة، وللندم قليلًا على أمنياتنا في الصغر على أن نكبر سريعًا.