أقفز السلم درجتين درجتين، تنهرني والدتي، تصرخ بأعلى صوتها من المطبخ قائلة:”أنا وش قلت عن الركض بالدَّرَج؟” لا أرد، تصرخ مجددًا:”هاه؟” أرد عليها:”أبشري يمه” أهدئ من خطواتي، أصعد درجة درجة، بالحركة البطيئة، فهذا الأسلم لي جسديًا من السلّم نفسه، ومن والدتي. أصعد وتلحق بي رائحة كشنة البصل، أستطيع سماع والدتي بسهولة تلقي الأوامر على الخادمة بأن تقلل من حدة النار لكيلا تحترق الكشنة، وأعلم يقينًا أنها ستخبرها بعد ثوانٍ معدودة بأن تزيد حدة النار وأن الكشنة لن تنضج بسبب تلك النار الهادئة. يخلو سلّم المنزل من أي جماليات، لا لوحات ولا تحف ولا حتى أشجار صناعية، تخاف والدتي من أن أموت مختنقًا بأوراق النباتات الصناعية، أو أن أموت بعد أن تتدحرج علي إحدى التحف من أعلى السلم، أو أن تسقط علي إحدى اللوحات المعلقة بمئة مسمار على الجدار. أعد درجات السلم، درجة درجة، هذا ما أعتدت على فعله بسبب صعودي البطيء، عشرون درجة، أستطيع أن أصعدها مغمض العينين، لكن والدتي لن تمسح بذلك أبدًا. أنتهي من الصعود بيد مغبرة، وهذي هي المرة المليون التي تترك الخادمة الدرابزين بدون تنظيف، تهتم الخادمة بلمعان الأرضية فقط، تنظف بلا تركيز، وتؤنبها والدتي في كل مرة. تنظف كما لو كانت الأرض تطفو، بدون أعمدة وجدران لتثبيتها، أرض جرداء لا تحتاج إلى أي شيء سوى التمسيح، ولا ترى غيرها. مثلها تمامًا، لا تحتاج إلى أي شيء، سوى مكالمة أختها التي تدوم لأربع وعشرين ساعة باستخدام برنامج الإيمو.
تقع غرفتي في نهاية الطابق الثاني، في طريقي إليها أمر في الصالة العلوية، صالة فارغة من كل شيء إلا من كرسي وحيد، كان ذلك الكرسي النقطة الأولى لبداية تأثيث الصالة، إلا أن المشروع انتهى في بدايته؛ بسبب ولادة أخي الأصغر، آخر العنقود، الذي بحضوره سبب في انتكاسه مالية. زادت الأغراض التي لا داعي لها؛ لأنه آخر العنقود، لا يجب أن يمنع من أي شيء. تتناثر ألعابه في كل شبر من المنزل، إن نجحت من حماية نفسك من الغرز التي ستتسبب بها السيارة البلاستيكية الصغيرة، فلن تنجح من تفادي قطع التركيب البلاستيكية، التي لن تتسبب بقطع قدمك، وإنما بكسر عنقك، بعد أن تتعثر بها وتسقط على وجهك. بعد مروري في الصالة، تجذبني رائحة خوخ لذيذة، تقرقر معدتي وتطلب النجدة، أمشي متشممًا طريقي، تقودني الرائحة ومعدتي إلى غرفة أختي الكبرى، وبدون الحاجة لقرع الباب، أصرخ:”الريحة حلوة، عندك خوخ ولا شيء ينوكل؟” ترد بصرخة مساوية لصرختي في الحدة:”لا هذي شمعة” ألمس معدتي معتذرًا لها، تزمجر بغضب، أتنهد مكملًا طريقي للغرفة. فلا فائدة من محاولة إيجاد الطعام لدى أختي، فهي تختص بالروائح فقط، ولديها سلة فواكة من العطور، وأشدها كرهًا رائحة الفراولة، فهي أقرب للفيفادول السائل الذي كنت آخذه في صغري أثناء التعب، وبعيدة كل البعد عن كونها عطرًا. إلا أن أختي مهووسة بها، فهي تمتلك تلك الرائحة كعطر، وكصابون استحمام، وككريم للجسم.
أصل لباب غرفتي، مقبض الباب يزيد يدي اتسخًا، صدئ، ولم تصله أيدي الخادمة بعد. أمسح يدي بمنديل معقم، تزودنا بها والدتي بشكل دوري. أضع أذني على الباب من خلفي، أتأكد من أن والدتي ما زالت بالأسفل، وأسمعها تصرخ على الخادمة:”إيش هذا!؟” ولا أعلم أي مصيبة جديدة حلّت، لكنني سعيد بها، فهذا يمنحني وقتًا أكثر من الخصوصية، ووقتًا أكثر مع إدماني الجديد. اتجه لدولاب الملابس الخشبي المظلم من الداخل، قاطعًا بذلك منتصف الغرفة الذي يتوسطه بساط دائري خفيف بلون البيج، مثبت من أسفله بلاصق منعًا من انزالقي من عليه. تمتلك غرفتي مظهرًا بوهيميًا، فكل شيء بلون البيج، وكل شيء خشبي بسيط فاتح، وكل شيء ينتهي بجدائل. إلى جانب ذلك، أمتلك الكثير من النباتات، واحدة تتدلى من سقف الغرفة، وأخرى بجانب سريري، تزحف يوميًا إلي، وتحاول بذلك خنقي، إلا أنني أحبها. وأخرى عملاقة في زاوية الغرفة، تطلبني والدتي بشكل شبه يومي بأن أخرجها من غرفتي، خوفًا من أن تجمع تلك النبتة الحشرات التي لن تتفانى عن قتلي بسمها، أو تشويهي بقرصاتها. أفتح الدولاب، أخرج الصندوق الأخضر، أفرده على الأرض، وأركب باقي قطعه. لدي ملعب كامل كبير يتوسط الغرفة للميني قولف، وجدته أثناء تصفحي لأمازون، طلبته ليكون لعبتنا الجماعية لكنني تذكرت بعد وصوله بأن الكرات الصغيرة ممنوعة في المنزل، مما جعلني أتنافس باللعب مع نفسي، وبشكل غير متوقع، أدمنت اللعب، وأدمنت طلب قطع جديدة لتغيير الملعب، وكرات جديدة لإصدارات الملعب الجديدة. أصبحت هذه اللعبة متنفسي، وإدماني الجديد.
ألعب عند أي فرصة تتاح لي، عند ذهاب والدتي للسوق، أو عند زيارتها لجدتي، أو حتى أثناء قيلولتها العصرية. أتقنت العديد من الحركات، وكما أستطيع صعود الدرج مغمضًا العينين، أستطيع بسهولة ضرب الكرة لتدخل الحفرة مغمض العينين. وكطريقة جديدة لعيش جو مختلف أثناء اللعب، أقوم بتشغيل بطولات القولف أثناء لعبي، وأتقمص إحدى الشخصيات المشاركة، وأتعمد اللعب كما تلعب، وأستمتع بتعليق المعلق على لعبي. في أثناء انسجامي في شوطي الخاص هذه المرة، بموسيقى بتهوفن تصدح من السماعات من خلفي، أرى أقدامًا تتجمع أمام غرفتي، أسرع لتفكيك الملعب، ولجمع الكرات. أحمل كل شيء بيني يدي الاثنتين، تنحجب الرؤية، أمشي باتجاه دولاب الملابس، وعلى غير المتوقع مني، وبسبب توتري بشكل مؤكد، أخطئ بتقدير المسافات، اصتدم بالدولاب أمامي، وأسقط على ظهري أمامه، والملعب بأكمله فوقي، وقبل أن أرفع رأسي، هوى الدولاب على جسدي. أصرخ، تدخل والدتي ومعها الخادمة، وقد كانتا أمام باب غرفتي يتناقشن بطريقة إزالة الصدأ. تشهق والدتي، ويصعب عليها أخذ أنفاسها، تردد اسمي بسرعة، تحسبني ميتًا، ونسيت أن دولابي خفيف من القصب الصناعي المجوف والخيزران، قد تكون هي أثقل منه. تأكدت من أنني حي أرزق بعد أن رفعت هي والخادمة الدولاب عن جسدي، وأزحن الملابس عن وجهي وصدري، قالت:”الحمدلله إنك حي يا وليدي، أكيد إنك تزحلقت من على هالكور، أنا ما قلت إن الكور ممنوعة؟ الحين تحطها بالزبالة قدامي”
*حاشية
هذه القصة مبنية على خمس كلمات: هوى، ميني غولف، مظلم، شمعة، حركة بطيئة