اخترت هذا الكتاب الذي يبلغ طوله عشر ساعات مسجلّه؛ ليكون نهاية لوحدتي أثناء غسل الأطباق. لكنه أصبح كل شيء إلا نهاية للوحدة، لأنني الآن وحيدة بشكل مضاعف بعد انتهائي من الرواية وتعلقي بالشخصيات. الشخصيات الأربعة الرئيسية تعاني من الوحدة، أو هذا ما توصلت إليه، أربعة أشكال من الوحدة، أربع أشكال من المعاناة، التي استمعت إليها منذ تكونها حتى نهايتها. رواية من ثلاثة فصول، الفصلين الأول والثاني عن الطفولة والشباب وأما الأخير فهو مزيج من ذكريات الطفولة والشباب تبزغ كلمحات في لحظات عابرة خلال الحاضر. أعطيت الكتاب أربعة نجوم، وقد يكون هذا إجحافًا بحقه؛ لأن النجمة الناقصة مبنية على مخيلتي وقياساتي التي قد تكون خاطئة. باستماعي للكتاب، أعطيه عمقًا وحياة أكثر مما لو كان ورقيًا. يغيّر القارئ من نبرات صوته، يتنفس، يصرخ، ويبكي. وأشعر بأن القصة طويلة ومليئة بالتفاصيل التي قد تكون بقراءتها مدوّخة للبعض ولي أنا خصيصًا، لذلك أنقص منها نجمة تحسبًا لو كانت مملة قرائيًا، لكنها صوتيًا رائعة.
جول
الشخصية الرئيسية والراوي والابن الأصغر لعائلة من ابنين وفتاة، والأكثر تأثرًا بفقدان والديه. في كل مراحل حياته وفي كل لحظة يسأل نفسه “ماذا لو كان والديّ موجودين؟” يفقد الجميع بالتدريج حتى نفسه، يتقلب في الوحدة، يحاول أن يشكل نفسه بقالب يشبه قالب والده، وسافر بعيدًا عن ذاته. لديه صديقة واحدة طوال حياته، أحبها سرًا، وفي لحظة، اختفت هي أيضًا. يقول بهذا الصدد:” لم يكن لديَّ الشجاعة للفوز بها، شعرتُ دائمًا بالخوف من خسارتها.” يحاول إيجاد ذاته، وحبيبته والجميع من حوله. يتحمل مسؤولية لم شمل العائلة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
ليز
الأخت الوسطى، الابنة المثالية، محبوبة ومرحة وذكية. لديها الكثير من المعجبين، واستمر ذلك حتى الأربعين من عمرها، قالت بعد تركها للتدريس فجأة:”لم يعد الأطفال يعطونني رسائل حب” كانت فخر العائلة وسعادتها، حتى وفاة والديها، انقلبت حالها، أكلتها الشائعات حتى ضاقت ذرعًا بها، واختارت الانفصال عن العالم حلًا للمشكلة. تركت المدرسة الثانوية، وانغمست بكل ملذات الحياة. كان الشعور بالشبع مفقودًا بالنسبة إليها، كانت في نهم للمزيد دائمًا، وفي نهم لأن تكون هي محط الأنظار. تقول بعد قصة حب مأساوية عاشتها وعن اختيارها الغريب لشخص يتكون من كل نقائضها:” لماذا أحببته من الأساس؟ لم يكن به شيءٌ مميزٌ – أعتقد أن هذا هو السبب كان خاويًا للغاية، خاويًا بشكل مريح أستطيع أن أشكِّله كما أريد ولم يكن لديه أي شيء يمكن أن أجرحه به لا شيء يمكن أن يؤذيه، هذا ما أبهرني.”
مارتي
الابن الأكبر، غريب الأطوار والانطوائي. لم يتفاجئ بالوحدة، بل كان وحيدًا من البداية، كان الأكثر خبرة بما يتعلق بالوحدة، ألا يهتم أحد بما تقوله وتفعله، أو إذا ما كنت بخير أو إذا ما كنت تحتاج لنصف ساعة على الأقل من الأحاديث اليومية العابرة لتشعر بأنك انسان. كان من الوحدة إلى الحد الذي جعله يتمنى الحظ من مقابض الأبواب في كل مرة يخرج بها من المنزل. يحرك المقبض لثمان مرات قبل الخروج؛ متمنيا بذلك التوفيق. يجد صديقًا في المرحلة المتوسطة يتشارك معه بنفس مستوى الوحدة، شكلوا فريقًا رائعًا من المتوحدين الأذكياء، أسسوا شركة خاصة بعد التخرج من الثانوية، وعملوا معًا على إنجاحها.
ألفا
ألفا صديقة جول من الطفولة، التي لم تكن بالشجاعة الكافية لتقول أنها هي أيضًا معجبة به. تظل حبيسة موقف حصل لها في الماضي، وتختار القراءة لتثبط بها نفسها. تقول عن القراءة:” في الواقع لطالما قرأتُ للهروب فقط، كي تواسيني بضعة جُمل أو قصة. وددتُ في الماضي أن أكون شخصية داخل رواية أن أكون خالدة وأعيش إلى الأبد في كتاب بينما يستطيع جميع من في الخارج أن يقرأني ويشاهدني” تتخبط ألفا بكل اتجاه، لا تعرف ماهية مشاعرها الحقيقية تجاه أي شيء، تشعربنقص كل شيء، تشعر بالفراغ، وبالحاجة لملئ هذا الفراغ، إلا أنها لا تعرف المادة التي تريد سكبها في هذا الفراغ.
*
تحاول هذه الشخصيات التعامل مع فكرة الموت والفقد، وما يتبعها من وحدة وضعف. تترابط بين بعضها البعض بخيط ضئيل من الأمل والذكريات المؤلمة والمستقبل المشترك. لا توجد ضمانات ولا حلول بديلة وإجابات صحيحة، الحياة غير متوقعة بتاتًا، ويجب أن يتعلم الجميع الصيد كما يقول مارتي في الرواية، وأن يكون على الأقل للجميع صديق واحد حقيقي كما يقول والدهم:” صديقك الحقيقي هو شخص يقف بجانبك طيلة حياتك. عليك أن تجده، فهذا أهم من أي شيء آخر، بما في ذلك الحب. لأن الحب قد ينتهي.”
اقتباسات: