الطعمية كحل لكل المشكلات

الصورة من خرائط قوقل

كبرت على عدم قدرتي على تقبل الطعمية، وكنت في كل مرة يكون فيها العشاء أو الفطور طعمية أعترض، وإن خسرت اعتراضي -وكثيرًا ما تحدث- أستبدل الطعمية بالدجاج، وهكذا كانت حياتي في العشر سنوات الماضية، أتجنب الطعمية قدر استطاعتي. كنت أجد في الطعمية طعمًا غريبًا، أقرب إلى البقدونس المر، وقوامها غريب أيضًا، لا أستطيع استزاغة ليونتها. بالإضافة إلى أنني أجد شطيرة الطعمية جافة، مهما وضع فيها من صلصات وخضرة فهي دائمًا جافة وقاسية. اشتهرت في العائلة بأنني الوحيدة التي لا تأكل الطعمية، وأصبح الجميع يتذكر ذلك، بالرغم من أننا لا نتذكر أي شيء بخصوص أي فرد في العائلة، وبالذات حينما يكون الموضوع حول تفضيلات الطعام. نتفاجئ دائمًا أن أخي أحمد لا يأكل السمك في كل مرة نتناول وجبة بحرية، ونتفاجئ أن أختي منيرة عادت لتناول الأرز بعد أن كانت لا تستسيغه. ومع ذلك، فأصبح عدم تقبلي للطعمية الموضوع الأكثر شهرة عند الاجتماع لطلب العشاء، حتى انتقلت للباحة.

أصبت بنزلة معوية بآخر يومين لي في مصر، واستمرت الآلام بعد العودة للسعودية، ولم يكن لدي رغبة بالأكل، وعند تناولي لأي شيء أصاب بآلام شديدة، مما دعاني إلى التخلي عن الأكل كله بشكل عام. رفضت جميع أنواع الاقتراحات، رفضت أكل المنزل والمطاعم، ولأني أحتاج للطاقة لأتعافى ولأتناول أدويتي، اقترح علي زوجي أن أجرب طعمية ( مستر فلافل )، وأنني لن أندم، لأنها أفضل طعمية في الباحة، أو في العالم. وافقت؛ لأنها الشيء الوحيد الذي أستطيع تناوله بدون أن يكون فيه الكثير من الصوصات أو الدهون الموجودة في أغلب الشاورمات والشطائر. وكانت المفاجأة أنني أنهيت الشطيرة كاملة! ولم يتبق شيء أضعه في الثلاجة كما أفعل مع كل وجبة آكلها. تحسنت بعدها سريعًا أعراض النزلة المعوية، وعدت كما كنت، إلا أنني أصبحت أفكر بمستر فلافل أكثر من المعتاد.

أصبت في فترة سابقة بنزلة برد لم أستطع بها النهوض من الفراش، وكما أفعل عندما أشعر بأي آلام جسدية، أتوقف عن الأكل تمامًا، أفقد شهيتي، وتمر الأيام بمعدتي فارغة تشكو الجوع والتعب معًا. رفضت جميع أنواع الوجبات، وزممت شفتي عن أي لقمة، وتفاجأت صباحًا بشطيرة ( مستر فلافل ) ساخنة وتنتظرني لآكلها. أكلت منها لقمة، من أجل زوجي قبل أن تكون من أجلي، لم يصدر جسمي أي ردة فعل، أكملت أكلي، وقبل أن أحيط بأي شيء، انتهيت من الشطيرة كاملة. ازدادت طاقتي وتحسنت نفسيتي، انفتحت شهيتي، وتشافيت سريعًا.

لم أشعر بالملل كثيرًا في الباحة، لدي الكثير من الهوايات التي لا أجد لأغلبها وقتًا، ولم أشعر بفروقات كبيرة ما بين العيش بالزلفي والباحة، بالرغم من كوني بعيدة عن أسرتي وعن الجميع من معارفي، لم أشعر بأي صعوبة في العيش بعيدًا. لدي الكثير لأفعله – شكرًا لنفسي التي تؤجل أعمال اليوم إلى الغد – فالبقاء مشغولة يبعدني عن التفكير الزائد، وعن البحث عن شيء لأحزن من أجله في وقت فراغي. إلا أنني في مرات عديدة وبشكل مفاجئ أشعر بوحدة شديدة، بدون أي مبررات أو أسباب، تهجم علي وتنهشني، تذكرني بضحكات كثيرة وذكريات عزيزة، أفقد طاقتي بتذكرها، وأجلس مكتوفة اليدين بينما تدور حولي أفكاري على شكل قطار سريع، سيحيد عن السكة ويصتدم بي بأي لحظة. وبشكل مفاجئ، يدخل زوجي بكيس ( مستر فلافل ) بدون أن أكون قد طلبت منه ذلك، نتشارك أكلها، ويختفي شعوري بالوحدة كما لم يكن موجودًا.  

لا أعلم إن كانت الطعمية حلًا فعليًا للمشكلات الجسدية والنفسية، لكنها نجحت في ذلك معي. قد يكون سبب نجاحها أنها دائمًا تأتي في الوقت الصائب، في اللحظة التي يخف فيها المرض، في اللحظة التي أتصالح بها مع نفسي ومع أفكاري، وفي اللحظة التي أكون بها في أشد حالاتي جوعًا. قد يكون السر في ( مستر فلافل ) نفسه؛ لأنني لم أستسغ بعده أي فلافل أخرى. الطماطم الحمراء الحلوة التي يستخدمها، والبطاطس المقلي الذهبي اللذيذ، والطحينة الخفيفة والمضافة بحرص، بحيث ألا تكون زائدة عن اللازم أو أقل من اللازم، والخبز العربي المفرود الهش واللين، يكاد يتفتت عند أي لمسة، يحتضن كل المكونات ولا تسقط منه أي حبة، لا يتخمر بفعل الطحينة ورطوبة الطماطم، ويصمد لآخر لقمة، مثبتًا أنه جدير باحتضان قطع الفلافل الغالية، وسعيدًا بكونه جزءًا مهمًا من هذه الوجبة الثمينة.

أطعمة كهذه، أفضّل ألا آكلها إلا عند حاجتي لها، أكبح رغباتي، وأطلبها في تاريخ مميز، يوم مميز، وذكرى لا تنسى. أخشى أن أتعود على طعمها فيخف انبهاري، وأخشى أن آكلها في الوقت الخاطئ الذي قد يجعلني أكرهها. أكره أن يتحكم فيني صنف معين من الطعام أو الشراب، وأحرص على ألا أحقق كل رغباتي في لحظتها. وأؤكد بأن طعمية ( مستر فلافل ) قد نجحت بالدخول إلى قائمة أطعمتي المختارة، التي أضيف إليها مؤخرًا جباتي كبدة كشك ( دائري ). لم أتخيل أن تدخل الطعمية والكبدة إلى قائمتي المختارة، وقد لا يتخيل وجودها أي شخص في قائمتي التي يحتوي أغلبها على الحلويات والمخبوزات، لكنها إحدى الأشياء الجديدة التي أضيفت إلى حياتي بعد الزواج، وهي بالتأكيد لإضافة مذهلة أمتن لها، وقد تكون سببًا في دخول زوجي للجنة.

يقول زوجي بعد نجاح خطته وتحسن حالتي بعد أكل الطعمية:”أنا قايل لك، علاجك الفلافل”، قد تكون هذه الجملة هي التي نومتني مغناطسيًا وجعلتني أؤمن بمقدرة الفلافل السحرية، ومع ذلك، فأنا لا أكره تأثيرها أبدًا، بل وسعيدة لانخداعي بهذه الفكرة، ما دمت أنني سأتحسن. أوصيكم بالطعمية؛ لأنها العلاج.

وحتى الإثنين القادم، والذي بالتأكيد لن أتملص من النشر فيه كما تملصت في الأسابيع الماضية، إلى اللقاء يا أصدقاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top