الرياض لأسبوعين وتجربة القطار الأولى

نظرًا لمتطلبات عمل زوجي التي اقتضت بالسفر للرياض لأسبوعين تقريبًا، انطلقنا في الرابع والعشرين من نوفمبر، وبقينا في الرياض حتى السادس من ديسمبر. كانت رحلة الذهاب مليئة بالمخاطر، وبدلًا من الذهاب بالطائرة، قررنا الذهاب بالسيارة، وهذا ما جعل طريق السفر طويلًا بشكل غير متخيل، بحيث استغرق منا الطريق حوالي الإحدى عشر ساعة، ولكنها كانت قصيرة شعوريًا، لأننا لم نتوقف عن الحديث وعن الاستماع للبودكاست الذي يزيد من المواضيع التي نود التحدث عنها. وأقول بأنها كانت مخاطرة لأننا مررنا بكل أنواع الطقوس والتضاريس والشوارع. بدأت الرحلة بأمطار غزيرة في الباحة، واستمرت حتى وصولنا للطائف بعد ساعتين وربع، وانقطعت الأمطار بشكل عجيب، فتنفست السماء، وكانت شبه صحوة. ولكن ما إن خرجنا من الطائف حتى أغرقتنا الأمطار مجددًا. كان الطريق مليئًا بالشاحنات بشكل أراه للمرة الأولى، وكانت الأمطار تضرب نوافذ سيارتنا بسبب الشاحنات وتمنعنا من الرؤية، بحيث ترتد قطرات المطر من الشاحنة وتعطينا أشبه بضربة على الوجه. استمرت الأمطار حتى اقتربنا من الرياض، وبدأت العواصف الرملية والهواء القوي تحل محل قطرات المطر، وبدأنا نلعب لعبة تفادي أقماع العمل الحمراء المتبعثرة في الطريق بسبب الهواء. وما إن نجحنا بلعبة التفادي حتى داهمتنا زحمة الرياض، وبذلك تبدأ مخاطر جديدة. مررنا بالكثير من المحافظات والمدن التي نسمع بها لأول مرة، مررنا بالجبال والصحاري والسهول، وتأملنا السماء عند كل محطة. ويجب علي أن أذكر أنني تذوقت السحلب للمرة الأولى في حياتي، وأقول ببساطة بأنه أفضل مشروب شتوي، ولم يكن احجامي عنه طوال السنوات الماضية إلا بسبب اسمه، الذي لا يوحي بكونه مشروبًا لذيذًا.

اليرموك هو الحي الذي سكنا فيه، وهي المرة الأولى التي أذهب بها لتلك الجهة، ويجدر بي القول أنني في هذه المرة في الرياض، زرت تقريبًا أغلب الأحياء، وتنقلت من الغرب إلى الشرق، ومن الغرب إلى الشمال، ودرت في المنتصف، ومع ذلك فلم أشبع من الرياض. كنت نهمة، وكانت الرياض المكان المنشود. زرت معرض الحرف ومعرض التمور، وتسوقت في واجهة روشن، وتمشيت في البجيري، والتقيت بأقاربي وصديقاتي، وتأملت من خلال نوافذ المقاهي، ولم يكن ذلك أبدًا كافيًا، وما زالت الرياض تفاجئني كل يوم. تحدثت بكوريتي المكسرة والتي لم أراجعها حديثًا مع الكوريين المتواجدين في معرض الحرف، وتفاجأت بمهاراتي التي لم أضعها أبدًا تحت الاختبار، وعزمت على العودة لتعلم اللغة مجددًا، لأنني قطعت شوطًا ليس بالقصير، وبالنظر إلى الحوارات البسيطة التي قمت بها، لا أظن أن إتقانها سيكون صعبًا. وأما بالنسبة لمعرض التمور، فكنت أكثر الحضور إنصاتًا وسط الضجيج والازدحام. أغلب الحضور كان نجديًا في الوقت الذي ذهبت فيه، لهجة مناطق نجد تفرقع في قلبي الألعاب النارية، يلفني الحنين، وتلتهمني الذكريات. سمعت رجلًا يقول:”ريضين، ما حنا بطالعين هالحين” مرت فترة طويلة جدًا منذ آخر مرة سمعت فيها كلمة”ريضين” وتعني سنتأخر. يقول زوجي ممازحًا:”ياالله اسمعي لهجتكم على كيفك، تكفيك هاللحظة سنة قدام” وهو محق في ذلك، أعطاني ذلك الحضور الشعور بالانتماء، وأحاطني ذلك بالحب.

افتتح قطار الرياض أثناء تواجدنا فيها، وكانت فرصة ذهبية لتجربته. أوقفنا السيارة بجانب المحطة، دخلنا إلى ممرات براقة ومذهلة، لا نعلم إلى ماذا يجب أن نحدق فيه أولًا، هل نتأمل التصميم أولًا؟ أو الركاب الذين يدعون أنهم اعتادوا على ركوب القطار من نعومة أظافرهم؟ أو إلى اللوحات التي يجب أن ننتبعها لنصل لوجهتنا؟ قمنا بشحن البطاقات لمقطورة الدرجة الأولى لساعتين، وبالطبع لم نكن نعرف إلى أين نتوجه، مشينا حتى انفتح باب أمامنا ودخلناه مع الذين دخلوه بجانبنا، وكان ذلك بالصدفة باب الدرجة الأولى. المقطورة في الداخل ممتلئة، وجدت كرسيًا بعد أن نزل الأغلبية في المحطة الثانية، وكانت التجربة سواء واقفة أم جالسة تجربة رائعة! أن تشاهد الرياض من مرتفع مناسب وسرعة مناسبة، أن تتحدث مع الجميع وتراقب الجميع. في رحلة العودة والتي أيضًا قمنا فيها بركوب القطار، لكن بالدرجة الاقتصادية هذه المرة. جلست بجانب امرأة قصيمية، قام ابنها بترك كرسيه لي ووقف مع باقي الرجال. وبالصدفة، كنا نحن وتلك المرأة ننشد محطة اليرموك، وبذلك أخذتنا الأحاديث حتى وصلنا إلى وجهتنا، إلى درجة أنني عطشت من كثرة الكلام، وفي اللحظة التي وصلنا فيها إلى وجهتنا ونهضت من الكرسي شعرت أنني تركت جزءًا مني، جزء ضئيل مني مع امرأة غريبة، لا أعرف اسمها ولا عمرها ولا حتى إلى أين ستنتهي وجهتها. شعرت بالألفة تنقطع فجأة بنهوضي، كسلسال سقطت خرزاته. وتساءلت مع نفسي، هل سأستمر بترك أجزاء متفرقة مني مع كل راكبة أركب بجوارها في القطار؟ لا أعلم إن كان ذلك سحر القطارات، لكنني أؤمن بأن التنقلات اليومية بالقطار بالنسبة لي ستكون ذات معنى أكبر من مجرد ركوب وسيلة مواصلات.

أيام حافلة قضيتها في الرياض بدون أن أتذكر كتابة تدوينة الاثنين للأسبوع الماضي، وأرجو أن تسامحوني على ذلك

حتى الاثنين القادم، والذي لن أنسى ولن أتناسى كتابة تدوينته، إلى اللقاء يا أصدقاء

فكرتين عن“الرياض لأسبوعين وتجربة القطار الأولى”

  1. قصص القطار محمسة فعلا، مع أنه موجود بدول عربية أخرى إلا أن تجربة الرياض تبدو مختلفة، الجميع يشعر بالحماس، بعد الافتتاح كانت المرة الأولى التي أشعر فيها بالرغبة للذهاب للرياض (وانا لا اعرفها)

    شكرا لتدوينتك سارة وانتظرك كل اثنين 🩵

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top