صورة أنشأتها بالذكاء الاصطناعي
تخرج من الجامعة بتقدير ممتاز، وأراد أن يثبت للجميع جدارته، لكنه عندما أراد أن يكحّلها، أعماها. لم يكن تخصص الترجمة سهلًا، ولم يكن أيضًا تخصص أحلامه، لكنه يكره أن يعلن استسلامه أو استياءه؛ لذلك كان يدرس بجدية، فإن لم يعجبه تخصصه فعلى الأقل يجب ألا يعرف أحد. لم يكن يصور معاناته وينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، بل على العكس، ينشر العبارات الإيجابية وفطوره في كل صباح. لم يعرف أحد أنه حتى سنوات دراسته الأخيرة يصعب عليه نطق بعض الحروف الإنجليزية، ويجهل عليه متى يتغير نطقها في بعض الكلمات. يغير الموضوع في كل مرة يستنجد به أحد لقراءة جملة أو لترجمتها، وعندما يحاصر ليستخدم لغته، يبتلع الحروف، ويدعي أنها لهجة منطقة ما، ويحاج في أحايين كثيرة أن النطق السائد لبعض الكلمات خاطئ ونطقه هو النطق الصحيح. كانت شخصيته مفتاح نجاحه قبل أن يكون كبرياؤه سببًا آخر في ذلك، فهو من الطلاب الذين يمازحون الأساتذة، يحمل عنهم حقائبهم ويزورهم في مكاتبهم. لا يغفل عن أي تاريخ، يهنئ أساتذته بالأعياد جميعها، الفطر والأضحى والميلاد والفصح والكريسماس ويوم المعلم، ولو كان هنالك يوم للاحتفال بالطالب، لكان احتفل بأساتذته كونهم كانوا طلابًا سابقين. يدعي الجهل وصعوبة الفهم؛ فيذهب لمكاتبهم للسؤال، وكما يفعل أغلب أساتذته، يعطونه أغلب أسئلة الاختبارات. ينتظر في الاختبار حتى نهاية الوقت كاملًا، يطلب الاستعانة بالأستاذ، ويدعي الخوف والحزن، تأتيه الإجابات على شكل همسات أو إشارات بالإصبع السبابة على الورقة. وهكذا كانت أغلب سنواته الجامعية، إما أن يحفظ الكتاب ظهرًا عن قلب، ويفرغ كل ما حفظه على الورق بدون أن يعرف ما هو، أو أن يدفه الأساتذة تقديرًا أو تقديرين في نهاية السنة، مكافأة على استماعه لفضفضتهم، أو مكافأة على كونه حملًا وديعًا لهم طوال السنة.
كان العضو المرشح الأول في الرحلة التي يخطط لها والده إلى الصين، لأن والده لن يذهب هناك للسياحة وإنما للعمل، ويحتاج مترجمًا يساعده على تمضية أموره. رفض في البداية، لكن جميع أعذاره لم تكن صادقة بما يكفي. فعذره الأول أنه مشغول، وهذه كذبة واضحة، لأنه حديث التخرج، لا عمل لديه ولا حتى نية في ذلك. وعذره الثاني أن الصين ذات قائمة طعام لا تناسب ذائقته السامية، وهذه المشكلة انحلت سريعًا كون المكان الذي سيسكنون فيه قريب للمطاعم العربية والحلال. وأخيرًا لم يكن لديه سبب ثالث يتعذّر به عن الذهاب للصين، يقول مرددا:
- “والله ما لي خلق أروح.”
يرد والده ضاحكًا:
- ” ههههه يا حليلك تحسبه على كيفك.”
قبل الرحلة بيومين، يفتح كتابًا لا يفتحه أحد غيره، مكتوب على العنوان: – الجمل الإنجليزية الأساسية التي تحتاجها عند السفر- يحفظ بعض الجمل كما كان يحفظ دروسه، يحرص على نطقها جيدًا ويحاول كتابتها. يحزم حقيبته ويتأكد من وضع الكتاب فيها، يتنهد ويقول مواسيًا نفسه:
- “ياالله على الأقل بشوف الصين.”
تمتلك الصين متاجر تسوق عظيمة ومهيبة، فيها كل شيء، أشياء مألوفة وأشياء تراها للمرة الأولى. تدخل بدون الحاجة لشراء أي شيء وتخرج حاملًا بيدك أكثر من كيس. يرقص فيها المزاج فرحًا، فالخلطات التي يضعها في الأندومي ويستحي أن يخبر بها أحدًا موجودة هناك على الأرفف بدون استغراب. توجد أنواع شعيرية أغرب من التي يأكلها هو، شعيرية بالأوريو وأخرى بالكولا، بطاطس مقلية بالفستق وأخرى مغمسة في الشكولاتة. يجد والده أثناء تجولهم في إحدى المتاجر كأسًا بلاستيكيًا مملوءا بمكعبات ثلج بنفسجية، يحمله بيده ويخمن بأنه عصير مثلج، يقول موجهًا الحديث لابنه:
- ” ترجم الله لا يهينك”
يحمل الكأس ويقلبه بيده، توجد بالفعل ترجمة انجليزية، لا يستطيع التملص كما فعل آخر مرة، أعطاه والده فطيرة ليقرأ له مكوناتها، لكنه اعتذر قائلًا بأن كل المكونات مكتوبة بالصينية. أما الآن، فالترجمة الإنجليزية موجودة، ولم تتبق إلا ترجمته هو. يحاول قراءة المكونات بصوت منخفض مجربًا معرفتها من صوت نطقها، لكن والده يقاطعه قائلًا:
- “ارفع صوتك.”
يرفع صوته قائلًا:
- ” توت، مانجا، حليب، وووو بس.”
- ” زييين يعني عصير صحي”
- “ايه”
- “متأكد إن ما فيه مكسرات؟”
- ” لا ما فيه”
- ” كفو هذا ولدي”
يضعون الكأس في آلة شبيهة بآلات صنع القهوة، يفتحون بابًا صغيرًا في وسطها ويضعون الكأس في فراغ يكفيه تمامًا. يختفي الكأس فجأة ويسمعون صوت فرقعة ويليه صوت تحريك سريع. تفتح الآلة التغليف البلاستيكي وتهرس قطع الفواكه المجمدة ومكعبات الثلج، يمتلأ الكأس سريعًا بمشروب بارد ثقيل. يبتسم والده ويتذوقه، يقول:
- ” يا زييينه يسرسح، كل واحد ياخذ له كاس جربوه”
يتجه هو وأخوه الأكبر إلى نفس الثلاجة التي أخذ منها والدهم مشروبه، يتناقشون فيما بينهم عن الأنواع، وبينما هم يتناقشون عن ترجمة كلمة وأخرى، يسمعون ضجيجًا خلف أرفف المنتجات أمامهم. يتجهون مستفسرين ليجدوا والدهم على الأرض، غير قادر على التنفس، وجلد جسمه أحمر بالكامل. يذهبون به لأقرب طوارئ، يحصل على إبرة الحساسية، ويمضي هناك ليلة كاملة. في صباح اليوم التالي، يعطونه نصائح طبية بالإنجليزية عن كيفية التصرف في حال وقع الأمر مرة ثانية، يفتح ابنه المترجم فمه ليترجم ما يقوله الطبيب، يقاطعه والده قائلًا:
- “اسكت بس.”
*حاشية
كتبت هذه القصة بناء على ثلاث كلمات: ترجم، عصير، الطبية