يبدأ أولًا بكتفها الأيمن، يضع رجله اليسرى عليه بينما رجله اليمنى على الأرض تستغيث الجاذبية، يبدو للوهلة الأولى كمن يرقص على نغمة شرقية. يمرر قدمه اليسرى على عمودها الفقري، ويتشجع ليكمل وقوفه كاملًا على كتفيها. يقف منتصبًا على كتفي جدته، ينتفض تارة ويتيبس تارة، تصرخ عليه جدته بأن يستعجل مشيه على ظهرها. تستلقي الجدة على ظهرها بعد يوم طويل من الجهاد، طلبت من حفيدها أن يذيب الإرهاق من أعلى ظهرها لأسفله بالمشي عليها. وهو ليس بالنشاط الجديد الذي يتعرف عليه حفيدها حديثًا، بل روتين شبه يومي اعتاد على فعله. يشعر بالإنجاز في كل مرة تتأوه فيها جدته، يظن بأنه عالجها من كل ما تشتكي منه، من آلام الظهر، والمعدة، والركب، حتى وهو لم يمشي عليها بعد. يلتف مبدلًا بين قدميه، يشاهد أرجل جدته المليئة بالشطوب، يسألها عنها للمرة الألف وتنهره للمرة الألف. لا يسأم من سؤالها عن كل علامة وجرح فيها، وهي لا تسأم من اختلاق القصص عن كل أثر، يعرف جيدًا أنها تخدعه، وهي تعرف جيدًا أنه لم يصدقها، ويستمران بدائرة من الأسئلة والإجابات التي لا ينفع تناقلها ولا الاستعراض بها. ينتقل بيدين مفرودتين على جانبيه إلى ظهرها، تتأوه الجدة بقوة ويظن بأنه أحسن صنعًا، فيضغط بقوة بقدميه، تلف رأسها وتصرخ بوجهه، وتقول بأنه دهس كبدها، يصفّر وجهه، يتأسف، ويكمل مشيه المترنح إلى أسفل جسدها. يصل إلى عظمة في أسفل ظهرها، يتوقف عند العصعص كما تسميه جدته، تقول إنه أثمن ما يملكه في جسمه، وإن سقط عليه، فعليه أن يودع حياته. تنهره عند تزلجه على مؤخرته من أعلى سلم المنزل، وتؤنبه على الشقلبة، والدوران، والركض وكل ذلك من أجل العصص الذي تطلب منه الآن أن يمشي عليه. يتحاشى أرداف جدته، ويمشي من العصص إلى الفخذ مباشرة، ليست لأنها منطقة محظورة على الجميع للمسها، بل لأنه يتعلم من أخطاءه أولًا، ففي أول مرة مشى فوق جدته فيها ضغط على ردفيها، مما جعلها تنهض مفزوعة، تنفث بكلمات مؤنبه يسمعها للمرة الأولى؛ لذلك حرّم على نفسه المشي بذمة وضمير على كل جسدها، وأصبح يقفز من أسفل ظهرها للفخذين. يمشي على فخذيها ويسقط، تلتفت جدته ناحيته لتطمئن عليه، يضحك على نفسه ويعود ليقف فوق فخذيها مجددًا، ولكونها شعرت بالخوف عليه وابتسمت لضحكه، أعاد الكرة، وقف على فخذها مترنحًا وسقط، ضحك ولم تضحك، أعاد الحركة للمرة الثالثة، ضحك ولم تضحك، بل وإنها جلست منتصبة وقالت بأنها انتهت من موضوع التهميز، مشيرة بذلك إلى التدليك الذي قام به حفيدها ماشيًا على ظهرها، وأنها لن تدع مستهترًا يمشي على ظهرها أبدًا. يتأسف ويشبك يديه معًا، يطلب منها أن تعود للاستلقاء وأنه لن يعيد الكرة مرة ثانية. تستلقي جدته مجددًا على ظهرها، ويقف فوق فخذيها مجددًا، مرتاحًا بأنه سيكمل لعبته اليوم حتى النهاية. يتقدم من أعلى فخذيها حتى ركبتيها، تتألم الجدة وتخبره بأن ينزل عنهما ويكمل إلى الساقين. يكمل مسيرته من أعلى الساق حتى نهايتها، مترنحًا أشد الترنح، وعندما توقف ونزل عن ساقيها قالت بأنه يجب عليه أن يستمر بالمشي على باطن قدميها، وبعد انتهاءه أو على حسب ظنه بأنه انتهى، نزل عن قدميها وتوجه إلى باب الغرفة خارجًا، نادته قائلة بأن يديها تحتاج قليلًا من التدليك، عاد للغرفة وجلس بجانبها مدلكًا يديها.
يذهب الحفيد مختص التدليك ليلًا والطالب صباحًا إلى المدرسة، وقبل أن تبدأ حصة الرياضة، اشتعل فصله بالشجار، أيهم أقوى؟ بدأت منافسات بطولة أقوى طالب في الفصل بمباريات مصارعة اليد، والتي على إثرها زادت جدية الوضع. تشكلت الأفرقة والعداوات، واقترحت العديد من الألعاب، وكان أكثرها تكرارًا لعبة – اللي يقول اح يطلع – وتقوم اللعبة على أساس احتمال الألم، يجلس الطلاب في دائرة على الأرض، ويحرصون على تحاشي الجلوس بجانب الأوزان الثقيلة. كل منهم يضع كفه في كف الآخر، مستقبلًا ضربة ومرسلًا ضربة، وبين ضربة وأخرى، يخسر المغلوب الذي يعبر عن ألمه، سواء بتعبير بان على وجهه، أو بأي صوت يخرج منه، حتى لو كانت تنهيدة الارتياح. وكان مختص التدليك من القلة الذين تأهلوا للنهائيات، وقد يكون ذلك من حسن حظه أو من سوء حظه. استكملت المنافسة خلال حصة الرياضة، والتي لا يتغير فيها سوى تشكيلة الفرق المتنافسة في كرة القدم. وكان اللعب في تلك المباراة من أخشن ما يكون، وبدون انتباه كامل من المعلم المدمن لكاندي كرش، يتعثر الطلاب، ويضربون على وجوههم ويتناطحون. يركض مختص التدليك بالكرة من منتصف الملعب، يمر من بين الجميع، ويتجاوز كل السيقان الممدودة من تحته، يشعر بأنه الأقوى جسديًا والأفضل بلعب كرة القدم. يدخل منطقة الجزاء الفارغة من الجميع إلا الحارس، ويحاول التسديد قبل وصول باقي الفريق، إلا أن الحارس ضربه بيديه الاثنتين على صدره، دافعًا إياه إلى الخلف، منفردًا على الأرض. يهب الجميع للمساعدة، كونه لم يستطع الوقوف أو الحركة لدقائق، يسألونه إن كان بخير، ينقلب على بطنه ويقول:” باالله واحد منكم يمشي على ظهري.” يتطوع أطولهم، يمشي على ظهره لكنه يقفز عنه بعد صرخة مدوية من المصاب.
في المستشفى، يقول الطبيب أن الصبي مصاب بالتهاب في عظمة العصعص، وأنه لن يقدر على الحركة بسهولة في الأيام القادمة. تتحسر الجدة بأنها لن تتخلص من إرهاقها اليومي بدون تهميزه، وتقول له:” ما قلت لك انتبه لعصعصك؟”