كنت في إيطاليا الأسبوع الماضي، وهي دولة مغرية لصرف المال وللأكل، وهذا ما فكرت لفعله طوال السفرة. قررت أنني سأغتنم الفرصة وسأزيد وزني؛ لذلك أفطرت بشكل مستعجل في أول يوم معكرونة حمراء، في مقهى يعج بالأشخاص الذين استيقظوا لتوهم ويشربون كوبهم الأول من القهوة لليوم. عزمت على ترك كل عاداتي واكتشاف هذا المكان الجديد الذي لم أفكر في زيارته في أي وقت سابق. لكنني ويا للسخرية، ندمت أشد الندم على كل شيء قررته بحلول اليوم الرابع من السفر.
تتميز إيطاليا بأنها أجمل بالمشي على الأقدام، فالمشي يعطيك الفرصة للتوقف والتأمل، يعطيك فرصة للتذوق وللاحتكاك بالناس. وهذا ما كنت أفعله أنا وزوجي، نمشي ونمشي ونمشي، نتأمل، نتحدث، وندخل كل مخبز نمر به. إلا أن ذلك كان كل شيء، لم يكن لدينا شيء لنفعله سوى ذلك، وهذا ما جعلنا نمل الحديث بالمقاهي، ونمل العودة للشقة لأننا لا نجد ما نفعله خلال عودتنا، ولا نجد ما نفعله خلال مشينا في الخارج، فوقعنا في دائرة العشوائية. أكلت في مساء يوم ما ثلاثة علب زبادي بالفواكه أثناء جلوسي في صالة الشقة، ليس لأنني جائعة، بل لأنني لم أجد شيئًا لفعله. ندمت أشد الندم لأنني لم أحضر اللابتوب لأكتب، ولم أحضر كتابًا لأقرأه، ولم نبحث عن مكان قريب لتعلم مهارة ما أو لنحضر ورشة. لكن هذا كان فرصة للتعلم، للتخطيط مستقبلًا لرحلة مثمرة أكثر.
أرغمتني إيطاليا على تقدير الروتين اليومي، وعلى التخطيط، وعلى الإيمان بأن التأمل ليس كل ما يجب علي فعله في السفر. كنت أظن بأن السبعة أيام غير كافية لفعل أي شيء آخر سوى استكشاف الأماكن، لذلك لم أحضر معي أي شيء آخر لأمضي فيه وقتي الفائض والغير محسوب قبل السفر. بحلول اليوم الرابع، كنت قد تذوقت أغلب أنواع البيتزا والمعكرونة، وزرت أغلب الأماكن، وهذا ما جعلني أفكر مليًا بالطبخ في الشقة والبقاء فيها، لكنني لم أحسب حسابًا لهذه الفكرة، فلا توجد أسواق قريبة لأشتري منها المكونات، ولم تتسن لي الفرصة لأحضر معي شيئًا من منزلنا. في مقالة سابقة ( في مديح التوقف عن القراءة ) قررت أنني سأترك عادة كتاب السفر، وأنني سأنشغل بالاستكشاف والتأمل. وأعلن من هنا أنني أتراجع عن هذه الفكرة البائسة، وأظنني كنت تحت تأثير الإيجابية وقتها، وسأعود لحمل كتاب لكل مكان أذهب إليه، حتى ولو إلى البقالة. وإن كنت قرأتم المقالة السابقة، وحذوتم حذوي، فأطلب منكم إعادة التفكير.
لا أقول بأنني لم أحظ برحلة ممتعة، بل كانت رحلة تفوق التوقعات، زرت أماكن كثيرة لم أتوقع بأنني سأزورها يوما ما، وضحكت كثيرًا وصنعت ذكريات أكثر. لكنني تمنيت لو أنني قمت بالمزيد من الأشياء التي أنتمي لها واعتدت عليها، لتكون رحلتي ذات معنى أكثر وليكون وقتي مثمرًا أكثر.
وحتى الاثنين القادم، الذي لن أتراجع فيه ان شاء الله عن قرارات سابقة، إلى اللقاء يا أصدقاء.