عيد الحب والبقر

أمتلك ذاكرة متحيزة ومستقلة، تحفظ ما تشاء وترفض كل محاولاتي لأجعلها تحفظ لي شيئًا. تضعني في مواقف محرجة طوال الوقت، أنسى أسماء من أخرج معهم كل أسبوع، وأنسى أسماء ممثلي المفضلين وأفلامي المفضلة. أجدني دائمًا أصف كل شيء، لأصل أخيرًا وبعد معاناة للاسم الذي أريده. أما عن أسماء عشوائية لفتيات أقابلهن بالصدفة، أو أسماء لمحلات وأغاني راب سريعة، فأحفظها سريعًا ومن دون أية مشاكل. وبخصوص التواريخ، فهي ليست بمنجاة من النسيان، ولم أكن أهتم بالموضوع؛ لأنني لا أجد تاريخًا لأحفل به سوى ليوم ميلادي الذي يتوجب علي فيه كتابة تدوينة، ويوم ميلاد زوجي الذي أرغمني على حفظه. لكنني اكتشفت أنني على خطأ، وأن حفظ التواريخ أهم من كل شيء، وذلك بعد ما حصل في يوم الجمعة الماضي.

في يوم الجمعة، قررت أن نخرج من المنزل في نزهة برية. لم نكن قد قمنا بنزهات منذ بداية فصل الشتاء؛ نظرًا للبرد القارس والضباب في الباحة. وقع اختياري على وادي الأحسبة في محافظة المخواة، وهو أكبر الأودية في المنطقة وأكثرها شهرة. كانت درجة الحرارة في المخواة حوالي التاسعة والعشرين درجة مئوية، بينما هنا في الباحة كانت إحدى عشر درجة. ارتكبت خطئي المفضل وارتديت بلوزة صوفية، لأنني لا أصدق برامج الطقس لكنها هذه المرة لقنتني درسًا قويًا، وسأعيد مراجعة نفسي وقراراتي. لم يكن الوادي ممتلئًا بالماء، أظنني اخترت الوقت الخاطئ لزيارته، لكنه مع ذلك لم يكن جافًا تمامًا. جلسنا في مكان قريب من الطريق ولم نتعمق للداخل أكثر، نسمع خرير الماء وأصوات العصافير المختلفة. كان الجو ساحرًا للغاية، السماء صافية والعصافير تطير من حولنا. ولم يكن المكان خياليًا أكثر حتى سمعت خوارًا قريبًا، اقترب منا قطيع من البقر الأحمر، وهي المرة الأولى في حياتي التي أرى فيها قطيعًا من البقر. ولم يمضي الوقت حتى تبع قطيع البقر ذود من الإبل، وبين هذه وتلك كانت الطيور الغريبة تحط بجانب المياه وتشرب منها. طيور أراها للمرة الأولى، طيور تشبه اللقلق لكنها بسيقان أقصر، لونها بني وأعناقها متوسطة الطول وفيها انحناء طفيف.

قضينا اليوم في المشي وإعداد الغداء والشاي على الجمر، يوم مثالي على جميع الأصعدة. شاركت صورة على السناب تشات أرتدي فيها أحذية شرقية موجودة في سيارة زوجي بدلًا من حذائي الرياضي؛ وذلك بسبب البلل الذي أصابها أثناء مشيي في الماء. سألتني قريبتي:

  • ليش مشيتي فالموية أصلًا؟
  • عشان أروح أشوف البقر

وفي أثناء تواجدي في البرنامج، صدمتني صور كثيرة لقلوب وورود حمراء، هدايا كثيرة وأغاني شاعرية على كل صورة ومقطع.

استوعبت بعدها أن اليوم الجمعة، كان عيد الحب.

اخترت في عيد الحب أن أمشي لمشاهدة البقر، وأن تتسخ عباءتي بالتراب، وأن أذوب بسبب بلوزتي الصوفية. كنت أنا التي قررت المكان، وأنا التي فكرت في النزهة، فلا يوجد لدي أحد أستطيع لومه، يا للخسارة. لكنه كان يومًا مثاليًا تمامًا. في كل صباح أتذكر أنني فعلت ذلك في يوم الحب وأضحك، لو كنت تذكرت التاريخ، كنت على الأقل سأخطط للذهاب لوادي يخلو من البقر.

حتى أحفظ كل التواريخ المهمة لكي لا أطلب من أمي أن تعد لي الغداء في يوم الأم، إلى اللقاء يا أصدقاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top