ما يعنيه كون العيد في الرياض

كل عام وأنتم بخير!

أعتذر عن الانقطاع الذي لا تبرير له سوى أنني لم أستطع إحكام قبضتي على روتيني اليومي، وأعلن فشلي المتكرر لتنظيم وقتي بعد الزواج. لكنني لا أزال في طور التعلّم، وهذا ما يشجعني للمحاولة مجددًا.

*

قضيت أول يوم من رمضان في المطار عائدة من الرياض لجدة ومنها إلى الباحة، واستقبلتني الباحة بأجواء رمضانية بديعة، تزينت بالفوانيس والمصابيح في كل مكان، والضباب يلفها في مشهد ساحر أقرب للخيال. قمت باتباع نظام غذائي جديد مختلف عما كنت أقوم به مع أسرتي قبل الزواج، واتجهت للسلطات والشوربات وابتعدت تمامًا عن المعجنات والأكل الدسم الثقيل. حتى أنني قمت بطهي السمبوسة في الفرن ولم أقم بقليها وأنا التي لم أكن آكلها إلا مقلية. ومن هذه التجربة أنوي أن نكون أكثر التزامًا بحياتنا اليومية بنمط صحي ورياضي كما فعلنا في رمضان.

عشت تجارب جديدة كثيرة في رمضان، بالإضافة إلى أن عاداتي اليومية اختلفت واكتسبت طابعًا جديدًا هي أيضًا، تغيرت ساعات استيقاظي ونومي، استهلاكي للمحتوى المرئي والمسموع اختلف، ولم أقرأ كتابًا في رمضان كما كنت أفعل، وبالطبع لم يكن العيد كالمعتاد أيضًا. ولعل العيد كان الحدث الأكثر تأثيرًا، فهي المرة الأولى التي نسافر بها للرياض في أيام العيد، ولم تكن امنيتي بالاحتفال بالعيد في الرياض بالصورة التي تخيلتها دائمًا منذ صغري، فكان عيد الرياض هذا مليئًا بالدموع.

تخيلت كثيرًا منذ صغري أن نكسر الروتين، وأن نقرر بشكل مفاجئ نقل عيد الزلفي واجتماعنا السنوي للرياض؛ لا لشيء وإنما لعيش تجربة جديدة ولصنع ذكريات مختلفة عن كل سنة. بوجود أعمامي ونصف أسرتنا في الرياض، تخيلت أيامًا كثيرة نتنقل فيها من منزل لآخر، مصلى عيد جديد، وجوه جديدة وعيديات مختلفة. لكننا هذه المرة سافرنا للرياض اضطرارًا، أُدخلت جدتي المستشفى وكان عيدنا في غرفة التنويم.

كان اليوم الأول من العيد في الزلفي، لكنه لم يكن عيدًا بالمعنى الكامل. لم تكن جدتي في المنزل، لم يكن للفرحة صوت أو رائحة، لم تقم جدتي بإشعال مبخرتها ووضع عودها الذي تحتفظ به خصيصًا للعيد، ولم تتطيب بدهن عودها المعتّق، لم تؤنبني على تأخيري عن صلاة العيد ولم تأمرني أن أوقظ أحدًا، لم تمتدح فستاني ولم تغضب علي لأجل إزعاجها بالضحك وبالأحاديث الكثيرة، لم تعطنِ عيديتي المختلفة عن باقي الأحفاد، ولم ألبسها خاتمًا من الذهب تبيعه بعد العيد غير آبهة بمن أعطاها إياه. لم يكن العيد عيدًا بدون أن يزعجنا جرس المنزل، وكنا بعد أن ننام في الساعة التاسعة صباحًا، يرن الجرس معلنًا حضور أبناء خالتي الذين يأتون للسلام على جدتي بعد نوم الجميع، لم يرن الجرس ولو لمرة واحدة، ولم نسلًم سلام العيد على أي من قريباتنا، ولم نضع في صينية القهوة سوى ثلاثة فناجين، أمي وأنا ومنيرة أختي.

أن يتحوّل العيد من أيام مزدحمة ومليئة بالأحداث إلى أيام هادئة لهو أشبه بجفاف شجرة معمّرة، تترك الطيور أعشاشها وتمتلئ الأرض أسفلها بالأوراق المتساقطة اليابسة. نحتفظ بذكرى الشجرة خضراء في تصورنا الدائم عن العيد، ونشعر بأن اخضرارها واحتواءها لنا كان قبل ألف سنة.

كان ثاني أيام العيد الذي قضيناه في الرياض غريبًا، الشوارع خالية من الازدحام، واحتفالات بديعة بشاشات عملاقة لم نعتد عليها، وشعرت بأن السيارات القليلة التي كانت معنا في الشوارع تشترك معنا في نفس الشعور، لا بيت يجمعنا في العيد، وفرحتنا بعيدة عن منزلنا. حاولت بكل استطاعتي ألا أبكي عند دخولنا للغرفة؛ لأن البكاء هو آخر ما تود جدتي رؤيته، إلا أن البكاء كان حاضرًا بالرغم عنا في بعض اللحظات.

باقي أيام العيد كانت كما اعتدت عليها، قاعات واستراحات، صواني شوكولاتة، السهر حتى الصباح والفطور الذي نجده بشق الأنفس. يحتفظ العيد بأجوائه الخاصة مهما تغير المكان والزمان، يأتي الناس ويذهبون، تفيض قطة الاستراحة وتقل، ويبقى لنا أن نحمد الله على نعمه وأن نعظّم شعائره، وأذكر نفسي قبل أن أذكر غيري بأن هذه هي سنة الحياة، وما لنا إلا نسأل الله العافية والرضا.

حتى يوم الاثنين القادم ان شاء الله، إلى اللقاء يا أصدقاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *