سَ سِ سَ

أحب اسمي، وأحب كل مدلولاته ومعانيه، وأحب حرف السين بالتبعية، وفي اللحظة الأولى التي فكرت فيها بكتابة هذه التدوينة، جاءتني فكرة هذا العنوان، ومع أنني ومع كتابة هذه الأسطر لا أعرف عما أريد كتابته بالضبط، إلا أنني متشوقة لملء هذه الصفحة بالكلمات، والتي بالتأكيد ستتضمن الصدفة التي جمعتني بسارة، وسهام، وسما الخميس.

التقيت بسارة الخميس (وهي ابنة جارنا الذي يسكن خلف منزلنا) أول مرة في المسجد لصلاة التراويح في العام الماضي، أشعر أن بداية علاقة كهذه لا يمكن أن تكون سيئة أبدًا. وكانت سارة تخرج مسرعة بعد انتهاء الصلاة، بسرعة شديدة لدرجة أنني أحيانًا لا أدري إن كانت حضرت للصلاة اليوم أم لا. وهروب سريع كهذا يعني أنها لا تحبذ الكلام، ولذلك احترمت خصوصيتها وحدودها ولم أحدثها حتى العشر الأواخر، وكانت أول كلماتنا بعد اصطدام حدث أثناء نهوضنا بعد التسليم، قلت لها:

  • اخخ عورتيني
  • اسفة ما دريت
  • امزح ما تعورت

ضحكت سارة، وأعتقد أنها ضحكت لأنها حمدت ربها على العافية، وأنها ليست بهذه السماجة. لكن سماجتي هذه هي ما فتح الطريق لنا للحديث أكثر، ولو أنها لم تفلح في رمضان هذا في الباحة بعد ان اصطدمت بمصلية بجانبي، لم تقابلني بضحكة وانما بوجه جامد وناقد، لكن أحييني على هذه الشجاعة، وعلى الأقل حاولت لبدء علاقة. أعود لسارة، عرّفت بنفسي وردت أنها هي أيضًا اسمها سارة! وهذه من المرات القليلة جدًا في حياتي التي أقابل بها سارة من السارات، فأنا لم أدرس مع أي سارة في أي مرحلة دراسية إلا في الجامعة، وكانت سارة واحدة فقط. وحتى خلال فعاليات المدرسة وفي مواقع التواصل، تختفي السارات عني، مع أنني أمتلك حبًا لا مشروطًا لكل السارات، ولكل مواليد سنة ألفين. ولم تتوقف المصادفات مع سارة أننا نمتلك نفس الاسم، بل درسنا في نفس التخصص أيضًا. حتى أن لديها اختًا تدعى سهام تدرس مع اختي منيرة في نفس تخصصها! وإن لم تكن هذه المصادفات كافية، فلديهن اخت صغرى تكبر اخي فيصل بعام واسمها سما وتدرس معه بنفس المدرسة.

تعرّفت على سارة في رمضان، ولم أقابلها إلا الشهر الماضي، بعد لقاءنا الأول بسنة كاملة؛ وذلك بسبب زواجي وانتقالي للباحة. كان لقاءنا الثاني في فناء منزلهم، جلسة أرضية جميلة، تغطيها الأشجار والزهور من كل مكان. يزورها نسيم لطيف في آخر الليل، وأرانب طليقة تبحث عن المغامرات. كنت منذ صغري غارقة في محيط اجتماعي تملأه زيارات الجيران، وأحاديثهم وقصصهم. ولم أنجح بتكوين أي علاقة مع بنات الجيران؛ لأنهن إما إن يكن أكبر مني أو أصغر، وأما عمن يماثلني في العمر فهم الأولاد. ولم تكن علاقتي بهم أيضًا ذكرى سعيدة، كان أغلبهم يتعبرونني صبيًا آخر، مع أنني لم أكن كذلك لا بالشكل ولا بالتصرفات. فيتحدونني تحديات غريبة، يحاولون إرهابي وتخويفي. ولهذا فقد فقدت الأمل بتكوين صداقة مع بنات الجيران، وعشت حياتي في منزلنا الجديد كربانزل في قلعتها.

أحاول ألا أشعر بأنني لم أتعرف على سارة وسهام إلا بعد فوات الأوان، لأنني الآن لا أستطيع رؤيتهن كلما لاح لي بال، ولا أستطيع أن أطلب منهن استعارة استشوار أو أن نقايض صينية حلا بأخرى، أو أن نجلس جلسة عصرية نشرب فيها الشاي ونأكل المكسرات ونتبادل آخر أخبار الحي. لكنني سأحاول أن أعوض هذا كله في كل مرة أعود بها للزلفي، أود تجربة أن يكون لدي بنات جيران، أن أعيش ما كانت بنات جيراننا يعشنه سابقًا. أفتقد الإحساس بالقرب والاريحية، وأتمنى أن يمكنني بناء علاقة وثيقة معهن في المستقبل.

أخيرًا، أود أن أقول بأنني أعجبت بانفتاحهن على أن أكتب عنهن، أو بالأصح عنهم، لأنهن طلبن مني أن أكتب حتى عن جدتهن ووالدهن. طلبن مني أن أكتب عنهم إن لم أجد شيئًا لأكتب عنه، وأن أسترق بعضًا من أقاصيصهن لصنع الحكايات والقصص، وهذا الانفتاح لا يحدث كل يوم، فالعديد ممن أقابلهم يخشون أن يصبحوا شخصيات في قصص أكتبها، ولو أنني لا آخذ شخصيات بكل تفاصيلها ومشاعرها لأكتب عنها، بل أختلق وأقص وألصق لأخرج شخصيات من مخيلتي أنا، إلا أن قلق البعض من سرقتي لشخصياتهم وقصصهم يصبح أحيانًا عبئًا يتطلب التوضيح والتبرير.

حتى الاثنين القادم ان شاء الله، إلى اللقاء يا أصدقاء.

*حاشية

كتبت هذه التدوينة تحت التهديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top