
وجدت دولابًا مرميًا في الأرض الفارغة المجاورة لمنزلنا، دولاب بني ولامع، يبدو لي جديدًا بسبب مقابضه التي بلا خدوش، وانسيابية حركة أبوابه. يحوي ثلاثة أبواب، الباب الذي في المنتصف زجاجي، ووراءه أربعة رفوف. تلفت في الجوار، لم توجد سيارة نقل أو أي شخص لأسأله إن كان الدولاب ملكًا لأحد أم لا. عدت للبيت وأعطيت نفسي مهلة لمدة يوم كامل، إن لم يأتِ أحد لأخذ الدولاب، سآخذه أنا.
مر يوم كامل بدون أن يأخذه أو يسأل عنه أحد، ربطت طرف قميصي السفلي بخصري، وأعطيت خادمتنا خمسين ريالًا؛ لتحمله معي. خرجنا ظهرًا بالرغم من حرارة الجو، خوفًا من أن يأخذه أحد، أو أن يرانا أحد؛ فالجميع مشغولون بالغداء أو قيلولة ما بعد الغداء. حملناه بصعوبة، عرقي يصب من جبهتي ويشكل بحيرة في عيني، أتوقف مرارًا لمسحه، تصرخ الخادمة بوجهي مستاءة، وأعدها بمضاعفة المبلغ. نترنح، ونتعرق، ونتوقف لمرات عديدة، تركت الخادمة الدولاب وقالت:
- كلاص أنا ما في شيل
- تكفييين ما بقى الا شوي!
- لا كلاص والله تعب
- بعطيك مية، وش رايك؟
- طيب
أعلم أنها تخدعني، يكفي أنها تحلف باالله على رغم من كونها بوذية، لكنها أملي الوحيد. حملت الدولاب معي بدون أن تتوقف ولا مرة، وكنت أنا الوحيد الذي طلب التوقف لأخذ راحة، لم أكن أعرف من قبل أنها قوية لهذه الدرجة. وصلنا للمنزل بشق الأنفس، استقبلتنا أمي أثناء بحثها عن الخادمة أمام الباب الخارجي للمنزل، قالت بغضب بدأ يشتعل:
- ياربيه! وش أنت جايب؟
- دولاب جديد يمه، والله جديد، ما انلمس
- وأنا وش أبي به؟! طلعه برا، طلعه
- يمه تكفين والله بنحتاجه صدقيني، وإذا ما احتجناه ببيعه ولا باخذه للجمعية
- ايه زي الطاولة الي جبتها ورميتها أنا بالشارع، وزي السرير الحديد وخرابيط كثيرة أنا الي ابتلشت فيها
- لا صدقيني هالمرة غير تكفين
أخرجت أمي غضبها كاملًا على الخادمة، لم يؤنبني ضميري كثيرًا، فهي كسبت مالًا ينسيها الغضب بينما أنا فلا. وأشعر أن الدولاب قد أعجب والدتي؛ لذلك لم تحلف علي أن أخرجه كما جرت العادة. وضعنا الدولاب تحت مظلة الفناء، عقدت العزم على تنظيفه قبل نهاية اليوم. جاءت والدتي في اليوم التالي لغرفتي، طرقت الباب – وهو شيء لا تفعله كثيرًا- وطلبت مني بصوت هادئ أن أضع الدولاب في المجلس، إن لم أكن قد خططت بعد لبيعه أو التصرف به. حدثتني وهي تجول بعينيها في أنحاء الغرفة، لم ترد أن نتبادل النظرات، لأنها تعرف يقينًا بأنني سأرفع صوتي بالضحك وسأقول:
- شفتي يمه! ما قلت لك إننا بنحتاجه!
- ايه خلاص، حطه بالمجلس أنت والشغالة
أكملت ضحكي بينما خرجت والدتي بعد جملتها الأخيرة، أشعر بالانتصار، أخيرًا اقتنعت والدتي بجدوى ما أقوم به. نهضت وشرعت سريعًا بالإجراءات، حركت كنبًا ووضعت مكانه الدولاب. نظفت الدولاب للمرة الثانية، حتى أنني كنست المجلس، فقط لأبهر والدتي بالنتيجة النهائية لأفكاري.
في اليوم الأول، وفي طريقي للمطبخ مارًا بالمجلس، سمعت صوت طقطقة، دخلت مسرعًا للمجلس وأنرت المكان، فتشت الدولاب والمجلس كاملًا بحثًا عن أي علامة لوجود الفئران، لكنني لم أجد سوى المزيد من العناكب في الزوايا والمزيد من الغبار تحت الكنبات. وبعد عدة أيام، كنت أذاكر لاختبار الرياضيات في المجلس، فرشت الأرض بالأوراق، وغمست رأسي فيها، وبينما كنت أبحث عن الأكسجين، سمعت صوت الطقطقة مجددًا، رفعت رأسي سريعًا، ركزت في الدولاب، لم يتحرك، ولم يطقطق، أعدت النظر للأوراق، وفي اللحظة التي أخفضت بها نظري طقطق مجددًا، رفعت رأسي بسرعة، حبست أنفاسي، لكن شيئًا لم يحدث. نهضت وحاولت تفتيش الدولاب مرة أخرى، إلا أن هذه المرة أصبحت أصعب، ملأت والدتي الدولاب بالأغراض، صحون وأكواب وسجادات ومباخر. استسلمت، أخذت أوراقي وعدت لغرفتي. بعد مضي شهر من الحادثة، نسيتها، لم يتقاطع طريقي مع المجلس مجددًا، إلا أنني حبست فيه لنصف ساعة تقريبًا أثناء زيارة خالاتي وبناتهن. كنت استيقظت لتوي من النوم ونزلت للصالة، تفاجأت بمرور فتيات ومعهن صحون من الحلا من المطبخ، صرخت أختي ودفعتني للمجلس، لم تكن اختي الوحيدة التي صرخت، بل وصلتني العديد من الصرخات، صرخات من هددت حياته بالخطر، كنت بالنسبة إليهن كتيس هائج هرب من الشبك. جلست في المجلس لوحدي، انتظر أن يفرج عني، وأثناء ذلك طقطق الدولاب، طقطقة شبيهة بضحكة، فزعت، ووقفت فوق الكنبة، استمرت الطقطقة، وكانت فعلًا كأصوات استهزاء. فتحت الباب وركضت لغرفتي، لم أهتم لصراخ والدتي وخالاتي، أغلقت الباب على نفسي وقرأت أذكاري.
في اليوم التالي، أعطيت الخادمة مئة وخمسين ريالًا، وطلبت منها أن نفرغ الدولاب وأن نعيده لمكانه، غضبت مني، تلفظت بكلمات كثيرة متداخلة، بالعربية وبلغة أخرى ليست حتى لغتها الأم على حسب عدم خبرتي. حملته معي بعد تنهيدة طويلة تنهدتها، لم أنطق أي كلمة، وتوقفت حينما طلبت مني أن نتوقف، ومشيت عندما أمرتني بذلك. وضعناه على الأرض بنفس مكانه، وقبل أن أمشي، طقطق طقطقة خفيفة، بصقت عليه وركضت بأقصى سرعتي.
في المساء، جلست لشرب القهوة في الصالة، كانت والدتي تراجع لأخي الأصغر محتوى اختبار مادة العلوم، وقالت:
- إذا انكمشت المواد الصلبة أو تمددت بسبب درجة الحرارة وش يصير؟
- تطقطق
- وش قلت أنا؟ أبي الإجابة كاملة
- المواد الصلبة زي الخشب والمعادن إذا كانت مشدودة ببعض بالبراغي، تطقطق إذا تغيرت درجة الحرارة أو صار فيه رطوبة
- ممتاز
* حاشية
كتبت هذه القصة بعد أن حسبت أنني حملت جني الزلفي للباحة، حيث كان دولاب ملابسي يطقطق ليلًا، ولم أعرف السبب، وكنت أحسبه خطأً في تصميم الدولاب. حتى جئت للباحة وطقطق دولابي هنا أيضًا، مما جعلني أبحث عن الموضوع، والذي بدا أقل تعقيدًا مما توقعت.




