آخر كلماتي

كتبت آخر كلماتي، اعتصرت مخي حتى لم تتبقَ منه أي خلية صاحية، تناثرت كلماتي كما لم يسبق لها من قبل، كتبت كما لو لم أمتلك شيئًا آخر لفعله، كتبت حتى أصبت بالتخمة، تخمة الأفكار، وتخمة الشعور، وتخمة الذكرى. انتهيت من الكتابة بشعور أشبه بالصدمة، كانت ليلة خميس عذبة، انسابت من خلالي بمشاعر هادئة ولطيفة، وقد يكون هذا الشعور هو ما جعلني أختم كل شيء في ليلة واحدة. لم أجد أي كلمة لأقولها بعد وضعي للنقطة آخر السطر، أردت البكاء لكنني لم أستطع ذرف دمعة واحدة، أردت الصراخ لكن أهل الباحة قد خلدوا لأسرتهم مبكرًا، لم أجد شيئًا يعبر عن شعوري، شعور يصعب علي وصفه، شعرت بالخواء، شيئًا ما اقتلع مني، فقدت جزءًا مني للعالم، اكتفيت بالصمت كطريقة للتعبير، بينما تنهشني الأفكار من الداخل. كتابتي لآخر كلمة في الرواية لا تعني انتهائي، بل بداية لمرحلة أكثر تعقيدًا، اختيارات كثيرة، وأخطاء تتوجب الإصلاح. في اليوم التالي لانتهائي من كتابة الرواية، لم أعرف ماذا أفعل بيومي، فتحت اللابتوب مجددًا، وبدأت بالمراجعة. لدي طريقة في الكتابة سهلّت علي موضوع المراجعة، وهي أنني بعد انتهائي من كل فصل، أقرأه مجددًا، أراجعه، وأعيد من ترتيبه وصياغته. وهذا ما جعل القيام بالمراجعة النهائية مهمة يسيرة، وقابلة للتعديل بدون أن أغير الحبكة بالكامل. بدأت بالمراجعة من أول فصل، عادت لي ذكريات البداية في يناير الماضي، كنت أكتب فقرة قصيرة وأهرب، انتابني خوف رهيب من كتابة رواية، لم أرد أن أكتب رواية، أردت كتابة القصص القصيرة للأبد، إلا أنه يتوجب علي ذلك، يجب أن أجرب، يجب أن أكتب، يجب أن أخوض غمار التأليف بكل أنواعه، يجب أن أضع نفسي تحت الاختبار، أن أضع لي بصمة في أكثر من مكان، أن أستمتع بالعالم والحياة، وأن يستمتع الناس معي في رحلتي. لدي قصة يجب أن تحكى، ولدي جدول مرسوم بدقة لحكايتها، قرأت كثيرًا وبحثت أكثر، حرصت على إجادة عملي، ولن أقطع شجرًا لكتابة رديئة أبدًا. بالرغم من خوفي، بدأت بكتابة القصة بطريقة لم أتوقعها ولم أخطط لها، كما لو كانت هي من كتبت نفسها. لدي شخصيتان رئيسيتان في الرواية، وهما بدون أسماء، لا أعرف لما قمت بذلك في البداية، إلا أنني أعرف الإجابة يقينًا الآن، ولن أعترف بها هنا، فسأحفظ بالإجابة لحتى صدور الرواية، قد أقوم بمقابلة ما، وقد أعترف بهذا السر لزيادة المشاهدات، لذلك أن أخاطر بإفشائه هنا. لم أجد اسمًا للرواية حتى الآن، وانتظر أن يملي علي نفسه بعد انتهائي من المراجعة، أو أن يطري علي في أثناء صلاتي كما حدث لي مع مؤلفاتي السابقة. ظننت بأني مع كتابتي للرواية، لن أجد شيئًا لقوله، إلا أنني أتقد حماسة للعودة للكتابة بشكل أسبوعي في المدونة. أظن بأن لدي الكثير لقوله، وهذا ما يجعلني عطشة للحياة. إلا أنني مع هذا الشعور بالهمة والرغبة، ينتابني القلق، قضيت سنة كاملة بالكتابة، آخرها كان بشكل شبه يومي، عدلّت من نظام حياتي حتى أصبح مفصلًا بالكامل للكتابة، أشعر بالقلق من عدم إيجادي شيء لفعله، أشعر بالقلق من أنني لن أستطيع العودة للاتزام بالكتابة الأسبوعية كما كنت سابقًا، واشعر بالقلق من أنني لن أجد قراء يهتمون لمشاغلي وأفكاري الأسبوعية. إلا أنني أعرف يقينًا بأنها أفكار سوداوية لا بد منها، فهي دافعي الأول لإيجاد حلول، وللعيش بدافع. لابد من أن نحزن ونرتعب للنجز ولنتحرك، كما كنت أهرع في أصعب أيامي الجامعية لكتابة قصة، لأنني أعرف يقينًا أنها ستكتب بجودة عالية، ستكتب من رحم معاناة ويأس. أظنني لن أشعر بإحساس كتابة رواية أولى مجددًا في حياتي، فسأحتفل وأتحدث وأبربر عنها، المرة الأولى قليلًا ما تتكرر. كان مشروع كتابة الرواية إلى جانب أنه مخيف بالنسبة إلي، كان ممتعًا. جمعت معلومات من أقاربي، سهرت مع نفسي، كتبت في أماكن كثيرة، واشتقت للكتابة حين انقطاعي عنها. انتهيت من الكتابة وأقول بأننا يجب أن نكتب أكثر، أن نجرب بشجاعة، أن نوثق حياتنا بأشكال عديدة، بالصور والرسومات والغناء. لا بأس بأن نستسلم للحنين والغضب والملل، إلا أننا يجب أن نخرج منها بشيء، بوسام على صدورنا يعطينا الأمل.

وحتى الاثنين القادم إن شاء الله، إلى اللقاء يا أصدقاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top