يتشاجر الأولاد على طاولة الطعام ذات الخشب الماهونجي، قطعة الأثاث الأشد صلابة في المنزل، بينما يقف الوالدان فوق المكتب. كما هو الحال في أي منزل في القرية، الجميع يقاتل للنجاة من خطر الغرق من الفياضانات. ولم تكن الفياضانات هي المشكلة الوحيدة، فالبركان الخامد الذي يتوسط القرية منذ سنوات عاد مجددًا للثوران، كما لو كانت الطبيعة تسعى للانتقام.
لم يستطع أهل القرية الاحتمال أكثر، عدد الوفيات والمفقودين بازدياد، حياتهم مهددة بالمخاطر أكثر من ذي قبل، السرقة انتشرت بانتشار الفوضى، الفقر يسيطر على الوضع، والعجز يكبّل أيدي الجميع. بعد مشاورات دامت لأكثر من شهر، قرر المحافظ بالاجتماع مع أكثر العقول الدامغة في القرية على حفر مدينة سفلية، تقيهم الحمم الحارقة والأمطار المغرقة، وبذلك يعيش الجميع في سلام دائم.
شملت الخطة على اختيار مكان يبعد عن القرية عشرين كيلو مترًا، وعلى الحفر لمدة سنتين متواصلتين، إلى جانب بناء تصريف ومجاري للفيضانات تقوم بإبعاد الماء إلى مكان القرية السابق، بعيدًا عن مدخل القرية الجديدة.
أخذ الحفر سنتين ونصف، نظرًا للانهيارات الطينية المتكررة والأمطار الغير منقطعة، قام المحافظ بردم المدخل من الداخل منعًا لصهارة البركان من الدخول في حال وصلت للمكان. سبل العيش جميعها توفرت في الداخل، أسواق، مدارس، متنزهات، ومزارع. تدخل الشمس من نوافذ كبيرة موزعة في عدة أماكن، ويوجد أيضًا مجرى نهري طويل يتوسط المدينة، لا توجد حاجة أبدًا للخروج. لا مفقودين ولا وفيات، نظام أمني متكامل، والجميع في استقرار نفسي وجسدي.
بعد مضي ثلاثة قرون كاملة، نسي الجميع الحياة العلوية، الفياضانات والبراكين، البحر والجبال، الغاب والحيوان. لا أحد يتذكر شيئًا من الخارج، كما لو كانت المدينة السفلية هي الحياة الفعلية، والحقيقة الكاملة، والمستقبل الواعد.
أصبح هم السكان الوحيد التقاط ريشة الإله، ولا أحد يعرف أصل كلمة ريشة، إلا أنهم يؤمنون بأنها كلمة عتيقة سماوية مباركة، يتساقط الريش الإلهي من مخارج التهوية أحيانًا، على أثر عزف الإله على أوتاره العظيمة. يشتد العزف في ساعات النهار الأولى، وتخفض حدته بحلول المساء، تسقط الريشة بعد انتهاء العزف، لذلك يحرص أهل القرية على التواجد خارج منازلهم مساء لالتقاط الريش. يؤمنون بأن الريش المتساقط هبة إلهية، لا يجدها إلا من قدّر له العلم والمكانة من الإله، لذلك فقد أقاموا عهد الأوتار والريش، كل من يحصل على ريشة، يسمح له بدخول المكتبة المقدسة، ويقسم بألا يستخدم ريشته وعلمه إلا فيما يفيد أهل قريته.