واجهت صعوبات في النوم الأسبوع الماضي بسبب جملة واحدة، قيل لي بأنني الكاتبة المفضلة لشخص ما، أو بالأصح لشخصين. وقد كان الإطراء الأول من مجهولة، والثاني من شخصية قريبة، ولكليهما أثر مطبوع على نفسي.
عودتني قارئتي المجهولة على رسالة مطولة ترد فيها على آخر ما أنشره، لكنها انقطعت عن ذلك -سامحها الله- وانتظرتها لمدة تتجاوز السنة، لتعود قبل أيام برسالة لم تشف غليلي لكنها زادتني إصرارًا على ما أفكر بعمله. تسألني في آخر رسالتها وتقول:”أفكر حقًا بما يدور في ذهنك عني حينما تقرئين رسائلي؟” وأظنني أستطيع القول بأن كل ما أفكر فيه بعد أي رسالة تكتبها يا لشجاعتها.
لا أعلم إن كنت الوحيدة التي تفكر بهذه الصورة، لكنني حقًا أفضّل أن أحبس في غرفتي طوال حياتي على أن أقابل أو أتحدث مع فناني المفضل، سواء كان كاتبًا، مغنيًا أو ممثلًا. ليست المسألة مسألة خجل، ولو أن فيها نسبة قليلة من ذلك، لكنني أخاف أن يخيب ظني، أخاف أن تهدم محبتي وإعجابي من كلمة أو إشارة، لذلك أحتفظ بأسئلتي وإعجابي لنفسي، وأصفّق من بعيد. وأن تكون هي قادرة على التواصل معي بهذا الشكل المكثف، لهي شجاعة بالتأكيد، ولو إن كانت متأكدة بأنني لن أخيب ظنها لأنني فعلًا كذلك، فشخصيتي تحرص ألا تخيّب الظن، فهي محظوظة لكوني كاتبتها التي لا تخيّب التوقعات.
وأما عن الشخصية الثانية التي أفصحت بأني كاتبتها المفضلة، فهي لم تفصح عن ذلك إلا لإسعادي، فقد أخبرتها سلفًا بأنني الكاتبة المفضلة لأحدهم، وبأنني الآن حقًا كاتبة ولها قراؤها، فقامت بذكري ككاتبتها المفضلة هي أيضًا، وهو في الحقيقة شيء محتم عليها كونها صديقتي الصدوقة وداعمتي الأولى، فهو شيء مفروغ منه، لكنني ممتنة لإفصاحها عن ذلك بدون إرغام مني.
أما بالنسبة لي، فأنا لا أمتلك كاتبة مفضّلة، وأتمنى أن يكون لدي. لدي كاتب مفضل لكنني لم أكتشف بعد كاتبتي، ولعل هذا أكسبني أسلوبي الخاص بالكتابة، بدون أن أتأثر بأحد. أما عن كوني كاتبة مفضلة لأحدهم فلم استطع استيعاب هذا بعد. عدم استيعابي هذا أصابني بالأرق، فلم استطع النوم، هل سأكتب الآن وفي بالي شخص ما؟ هل سأكتب لأجلها أم لأجلي؟ ماذا أكتب وكيف؟ وبقدر سعادتي كان شقائي. ولكن بالرغم من هذا كله، فقد جعلتني تلك الجملة سعيدة، خفيفة الوزن، وأستطيع الطيران.
*
أخذت عهدًا على نفسي بألا أستجيب لأي انتقاد أو مديح إلا ممن يعرفونني حق المعرفة، وليست المعرفة فقط كافية، بل قراءة نصوصي وتطوري خلال السنوات، وهذه هي الشروط الوحيدة التي ستجعلني آخذ انتقادًا على محمل الجد أو أتأثر بمديح. إلا أنني في بعض الأحيان أتأثر بمن يقوم بمجهود لإيصال رسالة أو تعليق إليّ، وهذا ما يكسر عهدي، فالحرص الشديد على إيصال كلمة لن يكون خبثًا أو عبثًا، وإنما ينم عن مشاعر تحركت، ويجب علي استقبالها. فالموازنة في هذا الموضوع صعبة، حتى بوجود ركائز وشروط، إلا أنني أرجو الله بألا أغتر بنعمة ومديح، فأنا لم أكن قادرة على الكتابة على علمٍ عندي حصلته بمفردي، وإنما هي نعمة من الله أوتيت لي، وأسأل الله أن يرزقني شكرها وحسن أداءها.