أراقب جدتي من خلف فتحة الباب، تفتح دولابها باستخدام الحبل الأبيض المعلق فيه، لم يصلح أبي المقبض بعد، تخرج مرطبانها، تغرف منه بفنجان صغير، وتقترب من الباب. أركض للكرسي المقابل لغرفتها وأجلس، أحاول خداعها بقراءتي للمجلة أمامي، تنظر لي مبتسمة وتسألني عما أقرأ، أجيبها:”عن مصاصي الدماء”.
لازلت أظن بأن جدتي مصاصة دماء، ولا أعلم لما لا يخبرني أحد بذلك! فهي بغض النظر عن امتلاكها لمرطبان تضع فيه دماء ضحاياها فهي تمتلك أنيابًا حادة بيضاء، ولا تنام ليلًا وإنما بعد الفجر، وكثيرًا ما تتجنب الغداء والعشاء وتكتفي بالقهوة أو الماء، والجميع ينفذ طلباتها بدون اعتراض، وهذا يدل على خوف أكثر من محبة، الخوف من أن ترتشف دماؤهم.
تقوم جدتي بأخذ الفنجان الذي غرفته للتو من المرطبان وتخلطه بقارورة ماء باردة قريبة، تغلقها وتضعها لتسخن بجانبها وتتصل على والدي، تسأل عما إذا كان سيتأخر، وبحركة رأسها وابتسامتها أظن بأنه قريب من المنزل. يدخل والدي بعد دقائق، تسأله باهتمام مصطنع إذا ما كان العمل على بناء المنزل مرهقًا اليوم، يرد بالإيجاب وتنهيدة، تلتفت لتعطيه القارورة، أقفز معترضًا، لا أريد لوالدي أن يشرب دماء! يبعدني والدي بيده مبتسمًا، ويأخذ القارورة ليشربها، ها أنا ذا، أخسر والدي تدريجيًا.
في الزيارة التي تليها سكبت جدتي كأسًا كاملًا من مرطبانها، وأعطته لأخي الأكبر عندما سمعت بخبر اصدامه بسيارة بتلك الليلة، بالرغم من كون الاصدام خفيفًا إلا أنها أصرت عليها أن يشربه، لم تخلطه مع ماء، ولم ترش منه على طعام، احتضنت أخي وأخبرته بأن يشربه كاملًا. وبدأت شكوكي بازدياد، فذلك المشروب الأحمر ليس دماء فقط، وإنما بالتأكيد مخلوط من المخدر والدماء ومحسّن طعام، وإلا فكيف لأخي أن يهدأ ويستقر بعد شربه لذلك المشروب؟ علي مراقبة جدتي بشكل جاد مكثّف.
تمتلك والدتي مرطبانًا أيضًا، ولكنه أصفر اللون، هل هذه بداية تحولها لمصاص دماء هي أيضًا؟ أضفت والدتي لقائمة المراقبة الخاصة بي أيضًا، سأحاول معرفة وقت تحولها بالضبط وسأحاول منعه، أو تأخيره قدر المستطاع.
مللت من المراقبة، لا يمكنني المراقبة فقط، سأقوم بخطة هذه المرة، سأفتح مرطبان جدتي بنفسي، بدلًا من محاولة إزعاج جدتي بالثوم كالأسبوع الماضي، إذ أخرجت فصًا كاملًا من الثوم ووضعته في وجهها على بغتة منها، لكنها لم تتأثر، بل أخذته وسألت والدتي عن مكان بيعه، فقد كان كبيرًا جدًا، وكنت على أمل تهديد جدتي به، لكنها أخذته ووضعته في عشاء تلك الليلة. حتى أنني جربت فتح النافذة على مصراعيها أمامها لأرى ردة فعلها، لكنها قالت:”اييه يا زين الشمس، زين ما سويت يا وليدي”، وبهذا لم يتبقى إلا حل واحد، أن اخترق الأسوار.
وبينما أفكر بخطة على كرسيي المعتاد، خرجت جدتي من غرفتها هي وجدي، اتجها للصالة، وباب الغرفة مفتوح، ترقبت الفرصة المناسبة بتأكدي أنهم بالمطبخ، هرعت للغرفة، فتحت الدولاب، أخرجت المرطبان، أمسكت بغطاءه المعدني، حاولت فتحه، لكنني لم أستطع، ضربت به الأرض، حاولت فتحه مجددًا وفشلت، وبينما أعتصر لفتحه، انفتح الباب، واشتغل المصباح، رأيت جدي واقفًا يتأملني بصمت.
تقدم لي يحمل كأسًا بيده، أخذ المرطبان مني وفتحه بسهولة، سكب ما في كأسه داخل مرطبان جدتي وأغلقه. كان السائل في كأسه أخضرًا، لكنه سرعان ما أصبح أحمرًا في مرطبانها. لم أستطع إمساك نفسي، بكيت، سألته كيف له بأن يسمح لجدتي بأن تحتفظ بدماءنا في مرطبان؟ ضحك وأخبرني بأني جدتي ليست مصاصة دماء، وهي فعلًا صادقة عندما قالت بأن هذا هو مشروبها الروحي، ولكل منا مشروبه ولونه الخاص فيه، والجميع حر في كيفية إعادة تعبئته وإنفاقه، فجدتك لم ترد شرب كأسي الذي صببته لها، وإنما أرادت تعبئته في مرطبانها، وسبب عدم استطاعتك على فتحه هو أنها لم تخولك لذلك، لا تستطيع فتح أي مرطبان إن لم يسمح لك صاحبه بذلك، وأخبرني بأنني قريبًا سأحصل على مرطباني الخاص أيضًا، وسأفهم كل شيء حينها.
رائع، سأتحول لمصاص دماء إذاً.
قصة مبنية على قصة سابقة مسماة بمرطبان انقر هنا لقراءة القصة