أقول في تدوينة سابقة بأنه لا يوجد لدي سبب للاستيقاظ، وأقول برسالة صوتية أخرى بأنني لا أشعر بالشغف والحماسة لمواجهة اليوم، ومع علمي بأنها مشاعر لحظية، لكنني أعترف بها لكي لا تتفاقم، ويأتيني الرد على مشاعري :”بكرة مباراة الهلال، وهذا سبب للحماس بكرة”. ومع أنني لا أستطيع حفظ أغلب أسماء اللاعبين الجدد، فآخر تحديث لدي كان وقت سالم الدوسري بالصبغة البنية، إلا أن المباراة فعلًا تعطي طعمًا وإحساسًا بالترقب للأيام.
المساء المثالي لي كالتالي:
أصلي المغرب، أشرب القهوة السعودية مع جدتي وأمي، ولا أنسى أهمية توافر الشوكولاته المخبأة في شال والدتي، نتقاسم الشوكلاته أمي وأنا ومنيرة، نأكلها بسرعة كما لو كنا في سباق، فإن صادف أكلنا وقت عودة إخوتي ووالدي من الصلاة فلن تتبقى حبة واحدة. أشرب فنجانًا مع والدي بعد عودته من الصلاة، وآكل تمرًا معه عن تأنيب الضمير.
تتخلل جلستنا النسائية القصيرة أحاديث كثيرة أغلبها عن العائلة، تسكب علينا جدتي مع القهوة كل الأخبار، من سيتزوج، من حامل، من سيسافر، وتنتهي تلك الأحاديث بشرهات كثيرة، تبتدأها جدتي دائمًا بكلمة واحدة ثم تنطلق بغير توقف. تقول:”يا احول…” وتلك أول خرزة في العقد، تسقط الخرزة الأولى فيتبعها العقد كاملًا. وعندما تنتهي من شرهاتها تقول:”اييه، الله يعافيهم ولا يبلانا، حنا وش علينا منهم؟”
وغالبًا ما يكون وقت مسلسل والدتي المسائي بعد فقرة القهوة، أتابعه معها، أمثل معرفتي بالأحداث، أحاول حفظ أسماء الشخصيات، أدعها تخبرني عما حدث في الحلقة السابقة، وينتهي بي الوضع بدلًا من التنمر على المسلسل إلى الإنغماس فيه، فتدعني أكمل مشاهدة المسلسل وأخبرها بملخص.
وفي مسائي المثالي يجب أن يكون الهلال حاضرًا فيه، تبدأ مباراة الهلال، نشاهدها جميعًا في غرفة جدتي، تغضب علينا في البداية على صراخنا، لتصرخ معنا في النهاية بدلًا من الصراخ علينا، وتقول جملتها المعهودة:”وش هاللعب، لو مدخلني المدرب ألعب معهم، كان لعبت أحسن منهم” وهي صادقة في أغلب الأوقات.
بين الشوطين، ننسكب كفوج جميعنا في المطبخ، ننوي المساعدة في العشاء، لكن ينتهي بنا الحال مطرودين، وغالبًا ما يطرد إخوتي بمغرفة الطعام، والتي تم تهديدي بها عدة مرات بسبب تحريضي على الإزعاج كما تقول والدتي، لكنها لا تفهم حسي الكوميدي، وهنا تكمن بؤرة المشكلة.
نعود لمشاهدة الشوط الثاني، وبعد نهايته نتفرق في المنزل، وبالنسبة إليّ فإنني أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، فأنا لا أفتح هاتفي إلا للحظات خلال المباراة، ليس لإدماني وإنما لقراري بعيش التجربة أيًا كانت هي بدون هاتف، وبعد جولة من التصفح أقرأ حتى أنام. المباراة اليوم بين الهلال والنصر لن يكون لها طعمها المعتاد، فجدتي في الرياض، وأغبط عمي الذي يستقبلها في منزله في هذه اللحظات.