في المرتبة الأولى تقع الكلمة التي قالتها لي منيرة أختي قبل يومين، خلال محادثات ما قبل النوم في الظلام الدامس، لم استطع التوقف عن الضحك، بعد كل جملة تنطق بها منيرة أضحك، وقلت لها:”والله يا دمك خفيف، تضحكين مرة” وقالت:”أنا عادية، بس أنتِ سخيفة تضحكين على كل شيء.” وكان هذا الرد كالقنبلة. لم أفكر أبدًا بالأمر من هذه الزاوية، ولم ألاحظ نفسي أبدًا بأنني ضحوكة، أضحك على كل شيء، حتى أصبحت ضحكتي المزيفة قريبة من الحقيقية، وصعب التفريق بينهما. وأظنني شككت بهذه الصفة لديّ في السنة الماضية، حيث وجدت شخصية مشابهة لشخصيتي بكتاب غازي -أبو شلاخ البرمائي- ، لكنني لم أسأل أحدًا إن كان ذلك الاقتباس يمثلني، لكنني أيقنت بذلك الآن، أيقنت كوني ضحيكان.
“ذكية لغويًا” أشعر بالامتنان لمن قالتها لي، حيث امتدحت اختياري لمفرداتي وتوظيفها، ولا أعلم أي حوار معها قادها لذلك الاستنتاج، لكنني أشعر بأنني أكثر من تكرار الكلمات في الحياة الواقعية، وأستعين بتعابير وجهي أكثر من كلماتي، وأود أن أعرف موضوع الحوار الذي تحدثنا به وقتها لأكثر منه في كل مكان، لتثبت الصفة لدّي.
“مغالية بحب نفسها” وهذا وصف من إحدى صديقاتي بعد طلبي منها أن تذكر سلبياتي، ولا أعلم حقيقة كيف لها أن توصلت لذلك أو شعرت به، لأنني غالبًا ما أضع الجميع قبلي، وفي فرص قليلة يحدث العكس، ولكن أظن بتلك الفرص القليلة كانت معها، وبكلتا الحالتين فقد كان أمرًا يدعوني لمراجعة نفسي.
“أكثر شيء يعبر عنك الأمواج، بينكم صفات مشتركة، مريحة للفضفضة، مرحة وحيوية، وحازمة وجدية، الامواج تعطي شعور بالحب وأن الحياة مرة فوق ومرة تحت” لم يكن سماعي لتلك الصفات كمفاجئة، بل أستطيع الجزم بأنني أعرف نفسي لدرجة معرفة تلك الصفات المحددة على الأقل. ولكنني تفاجئت بأنني أسمعها من زميلتي في الجامعة، وبعد معرفة بسيطة استطاعت معرفة تلك الصفات وإيجاد تشبيه دقيق! وهذا إن دل على شيء فلا يدل إلا على فطنتها. وكنت أشبه نفسي بأنني أعيش هذه الدنيا على قارب، وحياتي هي الأمواج، ولكن أن يتم عكس تلك الفكرة فهذا منظور مختلف تمامًا لم أستطع نسيانه.
“There is a whole crazy world out there that may need a little bit of Sarah”
“هناك عالم مجنون بالكامل قد يحتاج إلى القليل من سارة” وتلك الجملة كانت من شخصية استرالية اعتدت على الحديث معها لأطور من لغتي الإنجليزية، تحدثت معها عن الكثير، أمنياتي، الماضي والحاضر والمستقبل، الفصول الأربعة، مشاكلي وحياتي الخاصة، علاقاتي ومعتقداتي. ولم أهطل عليها بتلك الكثافة إلا بسبب اختلاف اللغة، وكأن حديثي بالإنجليزية يعبر عن شخص آخر غيري، وقالت لي تلك الجملة لتثبت لي بأن الكثير بانتظاري، وأنني لم أخرج بعد كل ما في جعبتي، وأن لدي الكثير لأتعلمه وأجربه، وشخصيتي هذه ستساعدني على ذلك، وكأنني لست سوى القطعة الضائعة لأكمل الأحجية، وكأنني فرشة ألوان، أصبغ الأماكن من حولي، لي مكان في هذا العالم الفسيح، ولي حضور ولست خفية.
“وش ذا المكتئب الي دمه خفيف ويكتب مدونات ويقرا كتب” وكنت آنذاك في واحدة من حالات اكتئابي، لم أشعر بأن هنالك أي شيء يستطيع إخراجي منها، واستسلمت للسقوط في داخل البئر، ولكن تلك الجملة انتشلتني بالدلو من البئر، استوعبت بأن حالة اكتئابي تلك مجرد شعور، وأنني باستطاعتي اختيار محاربة ذلك الشعور كما اخترت أن تمر أيامي بالكتابة والقراءة والرسم وإلقاء النكات. صحيح أنني كنت أفعل تلك النشاطات بدون روح، ألقي النكتة بدون أن أضحك عليها، أقرأ بدون أن أسجل ملاحظات وبدون إدلاء رأي، أرسم بدون إحساس، وأكتب بدون شعور، لكنني لم أجلس متكتفة اليدين بينما أغرق بالسواد، ولو جلست متكتفة اليدين فتلك مشكلة كبرى بالحقيقة، لن أتطرق لها هنا. لكنني اخترت أن أفعل ذلك كله، لما لا أختار أن أكون سعيدة؟ وأصبحت سعيدة، وانتزعت ثوبي الأسود باختياري. وفي الحقيقة، لم أنتبه أبدًا بأنني أفعل تلك النشاطات كلها وأنا حزينة ههه، لعلها أصبحت أسلوب حياة.
“يا كثر ما تحكين بلسانين” وذلك كان ردًا على إحدى تدويناتي، والتي كنت أظنها تتحدث عني أنا فقط، لكنها تعبر عن الكثير، وأصبحت لدى الجميع أتحدث بلسانين بدلًا من واحد.
“كيف تعرفون إن تخصصي انجليزي؟” وهذا ما تقوله حصة ابنة عمتي في كل مرة أقول فيها كلمة إنجليزية، وقبل استهزاءها هذا لم أعلم بأنني أحشو حديثي بالإنجليزية بتلك الكثرة. ولكنني أفعل ذلك بدون قصد، فأنا أحيط نفسي بالكامل بالإنجليزية، ولا أستطيع منع ذلك الخلط من الحدوث. مع كرهي لذلك، لكن لا يوجد حل.