“ها هي تخرج من البيت أخيرًا، لقد تأخرت عن موعدها هذه المرة، أنا جائعة! لم تكن وجبة الغداء كافية، فبدلًا من أن يكون الأرز في الساحة المجاورة خاصًا بنا وحدنا نحن حمام هذا الحي، شاركنا بتناوله حمام المزرعة المجاورة، ألا يكفيهم الشعير الذي يأكلونه في المزرعة؟ منذ لحظة فقسي من البيضة حتى اليوم، لم أرى أشد أنانية من حمام المزارع، يسلبوننا أعشاشنا وأزواجنا وطعامنا، بالرغم من توفر هذا كله في المزرعة.”
تمشي صاحبة المنزل ببطئ حتى نهاية الفناء، في الجهة التي لا تتلقى اهتمامًا ولا عناية، تفرغ قدرًا ضخمًا من الأرز على الأرض، يتخلل الأرز قطع من الخبز، الفواكهة والقشور. وفي اللحظة التي تدير بها ظهرها تمطر السماء حمامًا، تمتلئ الأرض بهم، يحركون رؤسهم بعجالة من كل الاتجهات، هديل مرتفع، وحركة غير منقطعة، يختلطون ببعضهم، يتصادمون، وبلحظات يختفي كل شيء من على الأرض.
“هؤلاء الأغبياء، لا يكفون عن الثرثرة أثناء الأكل، ما لا يعرفونه أن أصواتهم هذه عالية، ستجذب حمام المزارع بالتأكيد، ولن يتبقى لنا شيء لناكله. يا الهي ها قد جاء حمام المزرعة، أقسم باالله أنني سأنتقم من ذكرهم هذا، أعلم جيدًا بأنه هو الذي يأمرهم بالأكل معنا، يريد أن يسيطر على كل مناطق الغذاء بالحي، لكن لن يحدث هذا وأنا حية، ولا زلت أطير.”
تراقب صاحبة المنزل الحمام القادم للأكل، يدور في حلقات في السماء، يتوقف على الجدار، يراقب الوضع، تعلم يقينًا بأنه حمام مزرعة جارهم، فحمامه كله أبيض، وبعض ذكوره يملكون اللون الأبيض المطعّم بالبني. يخترقون الحمام الرمادي الذي هبط قبلهم بدقائق، ويشتركون بالأكل معًا. ولحسن الحظ فإن المتبقي من عشاء الأمس يغطي احتياجهم لأيام.
“التفكير بطريقة للانتقام منه أفقدتني شهيتي، رؤيته يمد عنقه في الهواء للبلع وحدها تدعوني للغثيان، تحيط به الإناث من كل مكان، كما لو كان له الفضل بإطعامهم. أفضل أن أكون عزباء طوال حياتي على أن أتزوج بذكر أبيض ملون بالبني، أهو ذكر فعلًا؟ إن لم يتبقى سوانا على هذه الأرض الواسعة، وتحتم علينا التزاوج لنحافظ على نسلنا من الانقراض، سأحمل العار على رقبتي، وسأنهي نسلنا على جناحي، ولن أخجل من هذا، فهو ليس كفؤًا ليتجدد النسل على جناحيه.”
ما زالت صاحبة المنزل تراقب الحمام يأكل من الأرض، فهي متعتها المفضلة خلال العصرية، تشرب الشاي وتراقب الحمام. وما دعاها لتذهب لتسخين كوبها هو حمامه رمادية ذات تصرفات غريبة، لاحقتها بنظراتها إلى أن نسيت أن تشرب كوبها، فهنالك شيء غير طبيعي بتلك الحمامة. فهي تدور على سرب الحمام، ولم تأكل شيئًا منذ أن هبطت على الأرض. تدور على حمام المزرعة بشكل خاص، كما لو كانت جاسوسة في فيلم، فهي لا تهدل، ولا تحرك جناحيها في أي اتجاه.
“هذه صخرة مناسبة، لكن كيف سأحملها؟ أوه هذه قطعة قماش تتسع للصخرة، سأضع الصخرة على القماش وسأحملها بمخالبي وسأرميها على رأسه، لعل جمجمته تنسكر بضربة واحدة، واظن أن احتمالية موته بهذه الضربة واردة بشكل كبير، بما أن لم يجرب أن يدربها مرة واحدة بحياته للقتال، ما أسهل كسر جمجمته الصغيرة الأشبه بالأرز المخمر الذي يأكله الأن. كيف لم أفكر بقتله مسبقًا؟ أنا حقًا غبية، لكن لم يفت الأوان بعد، سأنتظر اللحظة التي يطير بها سربنا وسأرميها عليه من بينهم”
تنهض صاحبة المنزل وتركض لمكان الأرز، يطير باقي الحمام بحضورها. حمامه بيضاء جميلة على الأرض، تترنح، ولا تستطيع الطيران، حملتها صاحبة المنزل بيديها وذلفت بها للداخل. وضعتها في صندوق حتى يتسنى لها الذهاب بها للبيطري مساء.
تدخل صاحبة المنزل المطبخ بعد أن استعدت للخروج، تبحث عن الصندوق، لكن لا أثر للصندوق، ولا أثر للحمامة، لا ريش ولا رائحة ولا حتى براز. تسأل خادمتها عن الحمامة فتقول الخادمة:”هادا حمامة سوّاق ركّب عشاء” بحيث دخل السائق المطبخ لوضع المشتريات ليجد حمامة تحاول الخروج من النافذة، أمسكها بسهولة، خرج بها لغرفته، وضع سفرة بلاستيكية، وقطع رقبتها ليضعها بقدر معكرونته لليوم.
*حاشية (ما يستفاد من النص)
لا تأكلوا عشاء غيركم لتسلموا من تحولكم إلى عشاء بدوركم.