موسم الأعراس ابتدأ أخيرًا، وكأن الزواجات العائلية قطع خرز في عقد، في اللحظة التي تنفك فيها عقدة السلك، تسقط الخرزة الأولى، ويتبعها باقي الخرز بالتدريج، إلى أن ينتهي العقد، إلى أن تتزوج كل فتيات العائلة. ويتخلل موسم الأعراس تخطيطات غير منتهية، مرهقة، وعصيبة. تتضمن تلك التخطيطات قائمة المدعوين، وهي الأصعب، تتبعها تحديد القاعة، والوقت، والترتيبات خلال الحفل.
حصر أعداد الحضور وأسماؤهم قد يقلب الزواج إلى ذكرى سيئة، فتبدأ المشكلة من العدد، إما أن يكون العدد ضئيلًا أو أن يكون ضخمًا، فلا حل وسطي لهذا الموضوع. وما أن يتم حل مسألة العدد حتى تبدأ مشكلة الأسماء المدعوة، قد تضطر العروس لدعوة عائلة كاملة من ثمانية أشخاص فقط لأنها لا تستطيع دعوة إحداهن وترك البقية. وما أن تنتهي مشكلة الأسماء حتى يصل الموضوع للأطفال، فتبدأ طلبات إحضار الأطفال بحجة أنهم أطفال العائلة، ورفضهم يعد رفض للعائلة ككل، فتمتلئ القاعة بأسماء مجهولة وأطفال يعانون من فرط الحركة، أطفال بفساتين مصممة لأعمار أكبر، بظهور وبطون مكشوفة، ولا يكفون عن المزاحمة على منصة الرقص.
وأما في منزلنا ابتدأت مشكلة أخرى، تمت دعوتي أنا ووالدتي بدون أختي الصغرى، والتي ستكمل عامها الخامس والعشرين الشهر القادم، لكنني لا أظن بأن العروس قد وصلها هذا التحديث بعد. فالجميع يظن بأن أختي ما زالت في الخامسة عشرة، بالرغم من دعوتنا للجميع لحفل تخرجها من الثانوية، وبالرغم من حديثها اللامنقطع عن الجامعة، إلا أن الجميع ينسى أنها امرأة بالغة، تستطيع حضور الأفراح، وتستطيع الذهاب لدورة المياه بمفردها، وتستطيع لبس ملابسها بدون مساعدة.
انقلب المنزل لحلبة مصارعة، أمي وأنا نحاول إرضاء أختي بشتى الطرق، نخبرها بأننا لن نتأخر وتقول بأن حضورنا بدونها خيانة. أخبرها بأن تأخذ دعوتي وسأجلس أنا بالمنزل وترفض، تقول بأنها ليست أنانية لذلك الحد. تحاول أمي الاستغناء عن بطاقتها لها وترد بأن ذلك من العقوق. لم نستطع إيجاد حل لتلك المعضلة، فكل حل نقترحه ترفضه بإحدى الحجج، وترفض أمي الحديث مع العروس بذلك الشأن، بالرغم من معرفة والدتي القديمة بها، إلا أنها ترفض ذلك.
خلال وقت قهوة المساء مع جدتي في منزلها، تخبرها والدتي بالمشكلة، ترد جدتي بأنها تمتلك الحل المناسب، أن تتنكر أختي كصبابة للقهوة، تدخل قبل الحضور بحجة التحضير. ضحكنا في البداية، وأخبرنا جدتي بأن تنفيذها مستحيل، فكيف لأختي أن تقنع البوّاب بأنها المسؤولة عن عمل دور مهم كهذا، فهي لا تشرب القهوة ولا تعرف طريقة إعدادها.
لم تتفوه أختي بأي كلمة طوال طريق العودة، وما أن وضعت قدمها اليمنى على مدخل المنزل قالت:” لا صدق صدق، وش رايكم بفكرة جدتي؟” أخبرتها بأني لا أمانع تجربة ذلك، فرصة لصنع ذكرى طريفة، وطريقة للانتقام. رفضت والدتي بالبداية، لكنني استطعت إقناعها.
لم ننم ليلتها إلا بعد أن اتفقنا على كل شيء، أحضرت فستان جديد أعطتني إياه جدتي هدية من آخر زيارة لها لمكة، برتقالي لامع طويل، مع حزامي ذهبي عريض، وبارتدءاه لأي مناسبة تتضمن ليزر وإضاءات قوية، سيكون كفيلًا بشكل مثالي على توزيع الإضاءة. وعند إحضاري له قالت أختي:”من جدك تبغيني ألبس هذا؟” وأخبرتها بأنه الحل الوحيد لإقناع البوّاب بأنها لا تهتم سوى بالقهوة، وبأنها امرأة بذلت جهدها كاملًا لتبدو كشخص مدعو لحفل لكن لم تنسى وظيفتها الخاصة.
قبل ذهابنا للقاعة، جهزت أنا ووالدتي أختي للذهاب قبلنا، ودربناها على الطريقة التي ستخبر بها البوّاب بأنها القهوجية، أعطيناها عددًا من الترامس وكيسًا من الفناجين، وذلك تطلب مجهودًا مضاعفًا لإقناع والدتي بأن الترامس لن تفقد في القاعة، وبأننا سنحرص على إعادتها ما أن تتم الخطة. مر الوقت بطيئًا منذ خروج اختي من المنزل، لم أستطع التركيز على الاستعداد للزواج، فكل ما أفكر فيه هو دخولها للقاعة، أنجحت الخطة؟ جائني اتصال بعد خمس وأربعين دقيقة من خروجها، أخبرتني بأنها الآن في مطبخ القاعة تضع الماء في الغلاية كتمويه، وستتجه بعدها لدورة المياه لتضع مكياجها ولتغير ملابسها. ولم يتطلب دخولها للقاعة سوى غمزة من أعين مرسومة بكحل وصل لأذنها، وقد كانت تلك هي فكرتي بالطبع.