كان إخراجه من العلبة صعبًا، تتعقد سلاسله الطويلة ببعضها، أنجح بفك بعضها وأفشل بأغلبها. أحاول فك العقد طوال فترة المغرب، يبرد فنجان القهوة، أسكبه وأصب لي آخر، ولكن سرعان ما يبرد كسابقه، لا أود أن يتصور صاحب محل الذهب بأنني غير مهتمة بسلسالي الغالي، وكنني أرميه بلا اهتمام، بلا اهتمام للذكرى التي تصاحبه، ولا بسعره، ولا حتى بمكانته لدي. أتذكر والدتي ومحاولاتها العديدة لإقناعي بأن أرتديه في يوم زفافي، فأرفض، وتستمر محاولاتها لبعد الزفاف، تريدني أن أري الجميع بأنني غالية كالعقد الذي أرتديه، بأن هذا الرشرش لا يساوي شيئًا بالنسبة إلى فرحتهم فيّ وفي زفافي. ومع أنني رفضت ارتداءه بسبب شكله ووزنه الثقيلين، حتى أنني حاولت بيعه بسرية تامة، إلا أن محاولاتي هذه فشلت، وأبقيته حبيس العلبة، يستقبلني في كل مرة أفتح فيها الدولاب، يذكرني بالأيام التي كان شاهدًا عليها، على صخب التجهيزات، وعلى الحماسة الممزوجة بالقلق والخوف، بالسعادة التي كنت أتمناها بكل خطوة أقوم بها.
لم يكن سهلًا علي التخلي عنه بتلك البساطة، لكن إلحاح زوجي قادني للجنون، يقول في كل مرة يراني بها:”هاه ما ودك تعطيني إياه الحين؟ والله لأعوضك عنه، بس خلي الأحوال تزين وأبشري بالعوض.” جملته تلك “أبشري بالعوض” لم تكن شيئًا سوى من أحرف تطير بالهواء، لم أر العوض أبدًا، ولا بأي شكل من الأشكال، لا في التعامل، ولا في الحالة المادية، ولا حتى في الشعور. تتدهور حاله تدريجيًا، يغلق الباب بقوة، لا يتكلم، دائمًا يشتكي من الصداع، يطلب من أطفاله النوم باكرًا قبل وقت نومهم المعتاد، لا يتناول عشاءه معنا، ولا حتى يبتسم، وكأننا المسؤولون عن خسارته المالية المتتابعة في العمل.
في الأيام التي كان يراقبنا بها الرشرش من دولاب والدتي الزجاجي، توصيني والدتي بالصبر والتضحيات، وتقول لي تكرارًا:”مهما صار تراه زوجك وأبو عيالك.” لا أعلم إن كان التخلي عن رشرشي هذا يعد من تلك التضحيات، لا أعلم إن كان هذا تنفيذًا أعمى لنصيحة والدتي أم لا، لكنني أعلم يقينًا بأنني لا أمتلك ذهبًا غيره. باع زوجي خواتمي جميعها في السنة الثانية من زواجنا، وباع أيضًا كل أساوري في نهاية سنتنا الثالثة معًا، والسلاسل التي حصلت عليها كهدايا بيعت واحدًا تلو الآخر، ولم يتبقى لي سوى هذا الرشرش الذي يصر زوجي على أنه الحل النهائي لكل مشاكله، والعوض الذي يعدني به.
أقف أمام مرآتي وأتجهز لزفاف أخته الصغرى، أبحث عن ذهب لأرتديه لكن لا يوجد سوى الفضة والاكسسوار، أرتدي من السلاسل التي طليتها بطلاء الأظافر الشفاف لكي لا يتغير لونها، ما زالت تحافظ على لمعتها، أفكر أن أطلي كل اكسسواراتي بالطلاء الشفاف لأحافظ عليها. أفتح علبة الرشرش قبل ذهابي، أتأمله، أشاهد السنوات في كل سلسلة، ألمسها وأشم رائحتها. أتركه على المنضدة، وأخرج لقاعة الزفاف.
ترتدي العروس الرشرش الخاص بها، أضحك في نفسي، لم تكن العروس عنيدة كما كنت، أشاهد زوجات إخوته كلهن يرتدين الرشرش، كل واحدة ترتدي رشرش زفافها إلا أنا، تقترب مني إحداهن، تتجاذب أطراف الحديث معي، ولا أنفك عن تأمل الرشرش الذي يعانق رقبتها، تنظر إلي وتقول:”إلا وين رشرشك؟ لا يكون بعتيه؟” أبتسم وأخبرها بأنني نسيت ارتداءه، تضحك علي وتستهزأ بي كوني أمتلك ذاكرة سمكة كما تعتقد، أضحك وأوافقها الرأي.
أعود للمنزل، يستقبلني زوجي بابتسامة، يسألني بفضول بادٍ على وجهه عن الزفاف، يضحك ويمزح على غير المعتاد، وأخيرًا يقول:”أبشري بالعوض.”