ولد صديقي مسحورًا بسحّاب، لا يعلم أحد كيف ومن قام بسحره، ولا يستطيع النجاة من هذه التعويذة إلا حينما يموت من قام بسحره، أو حين إبطال التعويذة.
أشبه بسحّاب الملابس، يبتدأ من مقدمة خط شعره ويمتد حتى أسفل ظهره. مطاطي وقابل للسحب وليس شكلًا فقط. لونه كلون الجلد ويستطيع أي شخص رؤيته حينما يتدلى أحيانًا من مقدمة جبهته. تحذرّه والدته من العبث به أو فتحه، تقول له:”ترا أم خالد اللي قالت لي إنك مسحور، تقول لي إذا فتحت السحاب تراك تبي تموت، إذا تبي تموت افتحه.” لم يفتحه قط، ولم يجرؤ أصلًا على لمسه، يكتفي بلعنه وشتمه في كل مرة يسأله أي شخص عنه، وخصوصًا طلاب مدرسته. يتم نبذه بأغلب الأوقات، ينادونه بالملعون أو أبو سحّاب، أو المشقوق، وأبشعها هو المقلمة. ينادونه:”هيه يالمقلمة ناظرنا” وإذا التفت إليهم رموا إليه أقلامهم والمساحات البيضاء بمختلف أحجامها، وأسوأها البراية الحديدية، فهي تبقي أثرًا بعد اصطدامها بجلده.
اختبأ في دورة المياه المهجورة في الدور الثالث لمدرسته حينما علم أن والده قام بزيارة المدرسة، لم يرد بأن يراه الجميع برفقة والده، كمن استسلم وراح يطلب النجدة، فهو لم يستسلم بعد. اختبأ وهو يغلي من الغضب والحزن معًا، تمنى بأن الملابس جميعها تغلق بأزرار، وأن السحابات لم تخلق في الوجود. لم يعلم ماذا يفعل وهو في قمة يأسه جالسًا على غطاء المرحاض المكسور، يعبث بشعره، ويمسك بالسحاب بإصبعه، يقول في نفسه:”بسحبه وأفتك منه واللي يصير يصير.” سحبه إلى منتصف رأسه ولم يحس بأي ألم، أكمل السحب حتى نهاية رقبته، لا دماء ولا حتى جروح، أكمل إلى نهاية ظهره، تفاجأ بأن سقطت ملابسه من على جانبيه، ولم تكن ملابسه فقط، وإنما جلده وعينه وشعره وكل شيء، كما لو كان قد انسلخ بكل ما يرتديه، كأفعى أو سحلية. أخرج قدميه من باقي هيئته المسلوخة ووقف بجانب نفسه القماشية الملقاه على الأرض. يلتصق بالجدار، لا يصدق عينيه، وفي خضم محاولة التصديق لم يعد يشعر باليأس ولا بالغضب، ولا أي مشاعر سلبية، كأنما استيقظ للتو من نومه، يبتسم بأنه ما زال على قيد الحياة، ويضحك منتصرًا بتخلصه من السحّاب، لكنه حينما لمس جبهته وجد السحاب موجودًا، ما الذي تغيّر إذًا؟ مشاعره تبدّلت، وثوبه طال قليلًا عما سبق، لكنه يشعر بأنه بأفضل حال.
في كل مرة يحجز نفسه غضبًا وخوفًا واستياءً، في منزله أو مدرسته، يتذكر السحّاب، يسحبه ويخرج شخصًا جديدًا، بدون أي شعور سلبي، ويرمي ببذلته القديمة في كيس قماشي يحتفظ به في غرفته، منتصرًا على ذاته المشؤومة.
لم يلاحظ في البداية أي شخص طول قامته التي تقل مع الأيام، ولكنهم لاحظوا سعادته المتأججة في كل وقت. في المرات التي توقعت والدته بأنه سيحبس نفسه باكيًا في غرفته، يخرج مبتسمًا يسأل عن الغداء والعشاء. تضحك وتفكر بأن التميمة التي ابتاعتها مؤخرًا من أم خالد قامت بمفعولها أخيرًا.
طالت ثيابه عليه كثيرًا، بمقدار نصف شبر تقريبًا، أعطاها والدته لتقوم بتقصيرها لكنها فزعت من هذا التغيير، اتصلت بأم خالد لتسألها عن الآثار الجانبية لكن أم خالد أخبرتها:”أنا ما لي شغل، هذي مشكلة ولدك المسحور.” تخرج والدته التميمة من غطاء وسادته وتحرقها في فناء المنزل، لكن لا فائدة، فابنها ما زال ينكمش كالقماش بعد الغسيل.
في كل مرة يفرغ والده جام غضبه عليه لأي سبب كان، يهرع سريعًا لأي مكان مغلق، يسحب السحّاب، ويخرج ذاتًا جديدة، سعيدة، بدون أي منغصات، أو مشاعر حزينة. لا يكبت مشاعره الحزينة الآن وإنما يقوم بخلعها.
خلع مشاعره السلبية لمئات المرات، إلى أن اختفى بجانب آخر رداء من المشاعر الحزينة إثر غضب والدته عليه لقصر حجمه.