في الإجازات الطويلة، تكثر الزيارات، وتكثر معها المناوشات بين الأحفاد، ستة عائلات، وأحفاد لا يمكن عدهم على الأصابع. إصابات في الرأس، كسور، صعارير، المصارعة، مصابيح مكسورة، وكور جلدية ممزقة، واتقاءً لهذا كله، تجمع الجدة كل الأطفال الموجودين، أحفادها، وأحفاد صديقاتها، وأحفاد الجيران، وتبدأ الحكايات المرعبة بالتتالي. يتحلق الأطفال حول الجدة، والمفضل منهم يسمح له بوضع رأسه على فخذها، وبينما تقول القصة تفرك ابهامها برأسه، وغالبًا ما ينتهي الفرك بالنوم. ولا تخلوا أي حلقة من قصة مريم بنت الفتى.
*
توفي والد مريم إثر إصابته بالحمى، وتبعته والدتها باسبوعين، لم تحظى مريم بإخوة، ولا تمتلك عائلة مترامية الأطراف للرجوع إليها، لذلك بقيت في منزل عائلتها تداري نفسها، وتعتني بعنزة سكرّية تؤنس وحشتها، تبيع حليبها، وتصنع الجبن والزبدة منه، وأحيانًا أخرى تخيط وتطرز الفساتين والجلّابيات لتهدم وحدتها.
جارتها أم حسّان، تمتلك سبعة أبناء، في كل يوم يذهب لمريم واحد منهم في مهمة، إما لترقيع قميص، وإما لإعداد وجبة، وأحيانًا في إيصال رسائل، وأحيانًا أخرى لتحصيل الإيجار.
تربط مريم بأم حسّان علاقة وثيقة، تمتد بصداقتها مع والدتها منذ أن استأجروا البيت منها، هي التي سحبتها من أعماق الظلمة الرطبة، إلى الحياة وأول نَفَس، وهي التي تعطيهم الوقت الكافي لتحصيل الإيجار وتوافق أيضًا على اقتراحات تعديل المنزل. وبعد أن توفيت والدة مريم، حرصت أم حسّان على زيارة مريم بشكل دوري، تطمئن عليها، وتمطرها بنصائح عديدة، ألا تتبع قلبها بل أن تدوس عليه، وأن تحذر من المشي ليلًا لوحدها، وأن تحافظ على مالها وتجمعه إلى أن تستغله بشيء نافع.
وفي ليلة هادئة، تستلقي مريم على ظهرها، في سطح منزلها، تتأمل السماء، وتفكر في الصبي الذي رأته عند محل البقالة اليوم. تسمع طرقًا قويًا على الباب، تركض ممسكة قلبها لتقيه من السقوط، تجد أم حسّان لدى الباب، تستنجد بها، تطلب منها الحضور لمنزلها لمساعدتها في توضيب المخزن، فإخوان زوجها على وصول، وستحوّل المخزن إلى غرفة لينامون فيها إلى أن يعودوا أدراجهم. تعود مريم للداخل لإحضار عباءتها، تتبع أم حسّان في الطريق الذي حفظته في قلبها قبل عقلها منذ أن وجدت في هذه الدنيا، تدخل المنزل وتخبرها أم حسّان:”افصخي عباتك ما عندك أحد البيت فاضي.” تقودها أم حسّان إلى المخزن، وتدخلها على أبناءها السبعة…
تلتفت مريم إلى أم حسّان بينما تتحاشى أن تتبادل النظرات مع أحد الأبناء، تبتسم أم حسّان وتهمّ بالخروج وإغلاق الباب، تمسكها مريم وتقول:”تبينا نبدا الليلة بدون عشاء؟ كيف تدخليني على عيالك وأنا يديني فاضية؟ خليني أروح أسوي العشاء وأجيبه هنا.” استغربت أم حسّان هذا العرض المفاجئ، فقد توقعت الصراخ أو حتى البكاء، ولكنها عرضت إعداد العشاء بدلًا من ذلك؟ أشار الأبناء لوالدتهم بقبول العرض، فقالوا بأنهم جائعين، وسيقبلون بأي شيء تعده مريم. وافقت الأم وأخذت مريم للمطبخ، بقيت تراقبها كأسد يراقب فريسته. وضعت مريم أكبر قدر موجود بالمطبخ على النار، سألتها أم حسّان:”ليش بتستخدمين هذا؟ ترا عيالي موب مشافيح” قالت مريم:”الله يهديك يا خالتي، عيالك رجال وما تكفيهم لقمة ولا لقمتين، وأنا مستحية إني أخليهم ينتظرون وبالنهاية ما أعطيهم اللي يكفيهم.” ابتسمت أم حسّان وانتظرت إلى حين انتهاء مريم. بدأ الماء بالغليان، وبدأت بوضع التوابل والزيت، وعندما مرت أم حسّان بجانب القدر، دفعت مريم كتلة الشحم المتراص بكل ما أوتيت به من قوة إلى داخل القدر، لا يخرج سوى رأس أم حسّان، أدخلته بالقوة بضغطه بالغطاء، ووضعت فوقه صخرة كبيرة لتمنعها من دفعه، لم يخرج أي صوت، فقد انقطعت أنفاس أم حسّان في الماء الكثير الذي وضعته مريم لتغرقها.
وبعد ساعة ونصف، تم سلّق أم حسّان بشكل كامل، أخرجتها مريم من القدر وبدأت بتقطيعها إلى أجزاء لا يمكن تمييزها، وتركت إصبعًا واحدًا.
وضعت مريم الأرز في الصحن الدائري، وضعت الكشنة، الخضار، ووزعت اللحم، ووضعت الإصبع في وسط الصحن، وتوقعت بأن يكون في آخر لقمة.
صحّت توقعاتها، وفي آخر لقمة للابن الأكبر، استغرب قطعة العظم الطويلة، أشبه برقبة الحمام الذي تطبخه والدتهم، وسألها ماهيته، أجابت:”مريم بنت الفتى برمت على سبع اللحاء كولوا عجوزكم يا مال التفلحاء” وهربت بعد أن تأكدت من انشغالهم بالبحث عن والدتهم.
*حاشية
لا أعلم بالضبط ما معنى ما قالته مريم في النهاية، لكنه ما اعتادت جدتي قوله، لذلك نقلته لكم بغية ذكر النص الأصلي.
*حاشية٢
القصة الأساسية تختلف عن هذه بنسبة ٩٨٪، والسبب يعود إلى قلّة التفاصيل في القصة الأصلية، ونسيان جدتي لأغلبها مما دعاني إلى وضع قصة جديدة مع الحفاظ على القالب الأصلي.
*حاشية ثالثة
بيت ذو ستة عوائل هي سلسلة قصصية لا تمت لواقعي بصلة، لا يوجد أي شيء مرتبط بتلك القصص في ذكرياتي الحقيقية إلا ما أذكره أنا بقولي أنه حقيقي، وأما غير ذلك فهو محض خيال لا غير.