لم يكن اسمها الشيء الوحيد الذي يجذب الانتباه، بل وحتى شخصيتها، وكأنها تجسيد كامل للمفهوم في هيئة طفلة. رغبة والدها الممسوس بالسياسة تحققت فيها، وأمنيته بأن ينسب المفهوم إليه تمت بأبهى صورها، ولم يكن ترتيب اسم ابنته فقط هو ما يفرحه، وإنما تقمصها الكامل لاسمها. يحضر بفخر لجلساتها التأديبية، ويخرج منتصرًا من مكتب المديرة بلا أي تعهدات أو اعتذارات، بل بمديرة مدرسة مقتنعة بالشمولية كطريقة إدارة.
الشمولية بنت خالد تبلغ الخامسة من العمر، ترتاد الروضة المقابلة لمنزلها، وتحولها إلى ساحة حرب في كل يوم. في اليوم الأول لها في الروضة، أقنعت الجميع في صفها بأن تحولهم إلى حيوانات هو الطريق الأمثل لتميزهم. دخلت المعلمة إلى الصف بعد الفسحة ولم تستطع إيقاف الجميع عن أكل الورق. مجموعة من الطلاب اختاروا الخيل لهم كضمير، وقضوا اليوم بطوله يتفاهمون بالصهيل وأكل الورق والعدو على أطرافهم الأربعة. بينما قامت مجموعة مكونة من ثلاثة طالبات بأكل الورق المكور ككرات صغيرة، قامت بتكويرها الشمولية لمساعدتهم بتقمص دور الدجاج. ومجموعة أخرى قضت يومها بالزحف على بطونها متقمصين بذلك حياة الوزغ، لأن الشمولية لم تعرف سوى الخيول والدجاج والوزغ.
يردد والدها دائمًا على مسامعها:”إذا جيت أكلمك تنزلين الآيباد وتسمعيني!.” وفي كل مرة تقوم الشمولية بالحديث مع أستاذتها تكتفي أستاذتها بالابتسام، وتعود للنظر إلى شاشة هاتفها، غير مكترثة بالمنزل الذي رسمته الشمولية بالألوان الشمعية. وفي أثناء تقيؤ أحد التلاميذ المصاب بالحمى وعناد الأهل، سرقت الشمولية هاتف أستاذتها، وركضت به مبتعدة، لكن باتجاه مرسوم ومخطط في ذاكرتها، إلى غرفة استراحة المعلمات. تعرف بالضبط كيف يعمل الفرن الكهربائي، تشاهد والدتها تقوم بتشغيله كل يوم. تقوم بتدوير مفتاح التشغيل وتضعه على آخر درجة، تضع الهاتف في الرف الذي يقع في المنتصف، وتعود لصفها، بابتسامة، وهاتف انفجر بعد نصف ساعة من البحث في حقائب الطلاب.
وكنشاط ختامي قامت به الشمولية قبل حفل التخرج، نشاط نابع من الغيرة أولًا، وأصل اسمها ثانيًا، الذي يدعوها إلى توحيد الجميع تحت فكرة واحدة، ولم تكن الفكرة تلك سوى الكره الجماعي للتلميذة الأكثر شعبية بالفصل. ولم تكن شعبيتها تلك سوى من شعرها المجعد، الذي حتى خلال حملة الحماية من القمل والقضاء عليه، لم يطلب منها تضفيره، وإنما كانت الوحيدة التي تصفف شعرها كما أرادت. ولم تكن تلك الحرية المطلقة لفرد واحد فكرة مناسبة للشمولية، فقامت بحملة كره أساسها الصور.
في نشاط التعرف على كلمة العائلة، طلبت المعلمة من الأمهات إرسال صور لأفراد العائلة وللطلاب أنفسهم، ليعرفوا زملائهم بالصف بإخوتهم وأخواتهم. ولاحظت الشمولية زميلتها ذات الشعر المجعد تقوم بإخفاء صورة في حقيبتها، لم تخرجها مع باقي الصور، استطاعت الشمولية في لحظة انتباه الجميع للمعلمة، بأن تأخذ الصورة من حقيبة زميلتها وتضعها في حقيبتها هي. وأثناء انشغال الطلاب في أحضار وجبات فطورهم، ألقت نظرة على الصورة المخفية، ولم تكن سوى صورة لزميلتها بشعر مستشور ومشدود في ذيل حصان، وقد برزت أذنيها المخفية دائمًا تحت شعرها المفكوك. ولأن شعرها المجعد دائمًا يغطي أذنيها الكبيرة والبارزة لم يلاحظها أحد. في اليوم التالي، في الوقت المخصص للرسم، لم يكن الإلهام للجميع سوى آذان زميلتهم.
* حاشية
الإلهام الأول لهذه القصة صديقتي التي نكبتني للكتابة عن الشمولية، وروحي التنافسية التي أبت إلا أن أكتب عن الكلمة. وقد كتبت فعلًا فقرة فعلية عن مفهوم الشمولية إلا أنني في منحنًا ما، دحدرت إلى كتابة قصة.