أقضي ميلادي الرابع والعشرين في الرياض، مكان غير متوقع البتة، لكنه سيكون ذكرى عزيزة لا تنسى، فالسبب الأهم لتواجدي في الرياض اليوم هو إكمال ما تبقى من متطلبات الزواج، والذي لا يفصلني عنه سوى شهر من الآن. مشاعر غريبة ومختلطة، قضيت اليوم أتدرب على المشي للزفة، والتي اتضح انها مسألة في غاية الصعوبة لشخص سريع الخطى مثلي. أتسابق مع الجميع مشيًا، وأتسابق مع نفسي لأنمو. يضطررن صديقاتي لوكزي لأخفف من سرعتي، وقد أجدهن يركضن أحيانًا لمجاراتي. وقد أتوقف أنا نفسي لألتقط أنفاسي، ولأكتب مذكراتي. تقول منيرة اختي:” سارة وهي تناظر الحضور كأنها ماسكة عليهم شيء.” ولا أعرف كيف لي أن أتبادل معهم النظرات بدون أن تكون نظرات تهديدية؟ ما هي النظرات الطبيعية أصلًا؟ موضوع صعب وشائك.
أقضي ميلادي الرابع والعشرين بعقل أكثر هدوءًا، أجدني آخذ نفسًا عميقًا في كل مرة تتشابك بها أفكاري. أفرّقها بأعواد الطعام وأخرج الأفكار الميؤوس من فكّها، أحملها بحذر، وأرميها على الورق، أو في صندوق النفايات، لا أحتفظ بها البتة. ألاحظ أنني أصبحت أكثر شجاعة بالتعبير عن أفكاري، أثمّنها وأفتح لها مجالًا للطيران.
أقضي ميلادي الرابع والعشرين بدون غضب، وهو قرار اتخذته في رمضان، ولعلي في لحظات قليلة ندمت عليه. فقدت قدرتي على الغضب، صبرت وصبرت حتى أصبحت صبّارة. وأعنيها فعلًا، فلم أغضب خلال ثلاثة شهور سوى مرتين فقط، وأعني بذلك الغضب الحقيقي الذي يثور كالبركان. ونجحت بذلك عن طريق تغيير نظرتي للغضب، فهو لا ينفع أبدًا، وضرره أكبر من منافعه كلها إن وجدت. في كل مرة تحدث لي مشكلة، أتأملها من كل الزوايا، إن كنت بغضبي سأستطيع حلها سأغضب، إلا أن كل المشاكل تلك لن يحلها الغضب، لذلك أنسحب تدريجًا من دائرة المشكلة وأفكر في حل، وأشعر بتصرفي هذا أنني أكثر استقرارًا. -أتمنى ألا يعلق محمد على هذه الفقرة-
أقضي ميلادي الرابع والعشرين أشاهد مباراة الهلال والنصر على كأس الملك، وأستغل الاحتفال بين الشوطين لأكتب هذه الأسطر. قضيت حياتي منذ لحظة وعيي الأولى في هذه الحياة هلالية، ولا أرى أي نادي كرة قدم آخر إلا كفرصة للهلال للتقدم، فلا أعدهم أصلًا من المنافسين. لكنني خلال سنتي هذه أتابع الأهلي، ليس وكأنني سأغير ميولي الكروية، وإنما لأستطيع فهم مشجعي الأهلي لا أكثر، أو لأجل عين تكرم مدينة. شعور غريب، أن أقف مع فريق غير الهلال، لكنه لطيف مع ذلك.
أقضي ميلادي الرابع والعشرين بحزم حقيبة مليئة بالقرارات، قرارات تحتاج لشجاعة هائلة، ولكنني لها ان شاء الله. أولها تربية حيوان أليف، أفكر بتربية سلحفاة، ليست سلحفاة برمائية، وإنما برية، أتسابق أنا وهي على الخس والطماطم.
أربع وعشرينية، أقبل على حياة جديدة، أتشوّق لكثير من التجارب القادمة، وأولها العيش في منزلي الخاص. أربع وعشرينية بنظام نوم شديد التقلب، وأعتبره من أكبر مشاكلي الأزلية. أحاول صنع العديد من الذكريات، وأحاول بصعوبة إيجاد التوازن بين توثيقها وبين عيشها بالكامل. أحلم بعدد قراءات أكثر من الكتب لكل سنة، وعدد قراءات أكثر للمدونة. أحلم بروايتي الأولى، والعمل المنتظم عليها.
أحلم وأحلم وأحلم، وأتمنى ألا أتوقف عن تخيل تحقيق أحلامي والمحاولة لجعلها واقع.
وحتى تدوينة الأثنين القادم، بعد ثلاثة أيام من الآن، إلى اللقاء يا أصدقاء.