لم تكن هي شخصية متطلبة، إلا في الملابس والاكسسوارات بالطبع، فهي في هذا الموضوع تتحول لديها الرغبة إلى هوس، تحاول تقنينه والسيطرة عليه قبل أن يحكم قبضته عليها، وأن تعيش بذلك أكبر كوابيسها، أن يتحول منزلها إلى خزانة ضخمة، كما تظهر بعض البيوت في برامج منصات العرض، برامج يتعاون فيها مجموعة من الناس لترتيب البيوت الفوضوية والتي تعاني من تكدس هائل لمختلف الأشياء، فأكبر مخاوفها أن تكون إحدى حلقات تلك البرامج حلقة معنونة باسمها، ولقطات لمنزلها قبل ترتيبه وبعد. لذلك لا تريد إلا أن يكون منزلها مرتبًا نظيفًا وذو رائحة مرحّبة، وتلك ليست مهمة سهلة كما كانت تتخيل قبل الزواج. لهذا فأفضل صباحاتها تكون بمطبخ نظيف، بدون أواني متكدسة في حوض الغسيل، وبدون بقايا طعام على الطاولة، وأكواب نصف مملوءة بخدر الليلة الماضية. لا توجد لديها تفضيلات معينة للفطور، فأهم شيء أن يكون الفطور لذيذًا وصحيًا ومناسبًا مع كوب شاي بشرط ألا يأخذ إعداده أكثر من ساعة. وكعادة اتخذتها منذ المرحلة الثانوية، فالفطور يجب أن يرافقه مقطع قصير من اليوتيوب، تحرص أن يكون المقطع مسليًا لا تثقيفيًا، لتبني عليه بداية يوم مسلية ومرحة. وبالحديث عن عادات الصباح، فكانت تعد إفطارها بسماعة في أذنها، تستمع فيها لبودكاست قصير، لكنها نبذت تلك العادة نبذًا شديدًا، واستبدلتها بأفكار تأملية صباحية، لأنه الوقت الوحيد الذي تكون فيه بذهن صافي وسط هدوء كامل لا يكسره إلا صخب الصحون والملاعق.
بعد أن تمتلئ معدتها وتتوقف عن الطلبات المتكررة لأكل كل ما في الثلاجة، تتجه لتنفيذ رغبات الرئيس الأكبر، الذي يطلب أن يشاهد أعقد حلقات البودكاست، أو أن يطرح فكرة قراءة كتاب كامل في يوم واحد، أو أن يستحسن جلسة تأملية مدتها خمس ساعات لا تستطيع إكمالها فتنام في بدايتها. إلا أنها تنبذ كل اقتراحات عقلها وتفكر في شيء آخر لفعله، وقد تكون أفضل فقراتها بعد الفطور شيء يدوي وعملي تطلق فيه الطاقة التي استقبلتها بعد الفطور. ولأنها شخص ممتلئ حتى الرأس بالعديد من الهوايات، فتختار إحدى هوايتها التي لم يصلها الاهتمام لفترة، كالتطريز أو الرسم والتلوين أو حتى إكمال تعلم اللغة الكورية. وبذلك تقضي بقية الوقت حتى الغداء بشيء يجعلها غير قادرة على إمساك ملعقتها من تعب يدها، وتعتقد هي أحيانًا أن الألم والتعب لهو الدليل الأوضح على جدها واجتهادها وشدة استمتاعها بما تقوم به، إلا أنها في أحيان كثيرة، تتعب أشد التعب لأنها تنغمس وتغوص في كل شيء، وتعيد الكرة مرة ومرتين وثلاث حتى تمام الشيء، ليس لأنها مهووسة بالكمال، ولكن لمعرفتها أنها قادرة على أن تقوم بالأفضل، لذلك تنسى أخذ الاستراحة، وتنسى أن تأكل، وتنسى حتى أن تغير من جلستها. فأفضل أوقاتها بعد الفطور أن تقوم بشيء عملي تحبه، مع أخذها بعين الاعتبار لأوقات الراحة وأوقات الاستئناف.
هي بالتأكيد ليست من أنصار القيلولة العصرية، لكنها بعد كل شيء انسان، فبعد صباح إيجابي ونشاط عملي ممتع قد تغط في نوم عميق لمدة ساعة أو ساعة ونصف. ولا تشجع الخلود في قيلولة لأكثر من ذلك، وهي تعد أفضل أيامها الأيام التي بدون قيلولة، لأنها تشعر بأنها استغلت كل ثواني ودقائق اليوم في شيء ما، وأنه بالتأكيد لن يكون يومًا مشابهًا لأي يوم آخر بذلك. لديها اعتقاد يخالفها عليه زوجها كثيرًا، وهو أنها تؤمن بأن النساء يحتاجون ساعات نوم أكثر من الرجال، وأنه لا بأس للنساء بأن ينمن عشر ساعات إن استطعن ذلك. ولذلك فهي تكره أن تأخذ غفوة قد تسلب منها ساعات نوم ليلية تصل بها لنوم مستمر غير متقطع ومثالي.
في آخر العصر أو في فترة المغرب، فهو وقتها المفضل للقراءة. أيامها المثالية هي أيام بساعات قراءة ممتدة من بعد المغرب حتى العشاء، وقد تمتد ساعات القراءة لما قبل النوم. ولا يقطع ماراثون القراءة هذا إلا نزهة لطيفة لأي مكان، سواء كانت للقراءة أو للمشي أو حتى للاكتشاف. وتعشق هي الأيام التي تنتهي لياليها بفيلم محبوس في قائمة الأفلام التي تود مشاهدتها، مع عشاء خفيف جدًا أو دسم جدًا كالشاورما التي لم تجد لحبها الشديد لها بحل بديل وصحي. ولا ينقص يومها هذا بعد الفيلم سوى أن تقوم بجدول العناية الخاص بها، غسول وقناع للوجه، وترطيب كامل للجسم مع شمعة لطيفة وجلسة قصيرة لكتابة يومياتها.
هكذا تمضي حياتها، بتجربة شيء جديد في كل يوم، مهما كان صغيرًا أو مهمشًا أو بسيطًا، تحاول أن يكون كل يوم رائعًا بحد ذاته، أن يكون له صفحة خاصة في كتاب ذكرياتها، أن تستدعيه بسهولة في خيالها إذا احتاجته، وأن تتحدث عنه بشغف عند أي شخص، ليس لأنه يوم مثالي وممتلئ ومختلف كل الاختلاف عن سابقه، بل لأنه يوم نجح جزء منه بالوصول لذاكرتها طويلة الأمد.
—
أنا هي، وكتبت عن نفسي بصيغة الغائب لتجربة جديدة ومختلفة. وقد كتبت في التدوينة السابقة أن هذه التدوينة ستكون براعية الكاتب أحمد حسن مشرف، وهي كذلك بالفعل، حيث طلب الكاتب من القراء أن يرسلوا له الأسئلة والاقتراحات والمواضيع ليكتب عنها، وطلبت منه أن أن يعطيني موضوعًا لأكتب عنه، وأعطاني سؤالًا يقول:”كيف كان شكل أفضل الأيام في حياتك؟” والإجابة كما كتبت في الأعلى.
وكما فعل الأستاذ أحمد حسن مشرف، أطلب من قرائي الأعزاء أن يرسلوا لي الأسئلة والاقتراحات لأكتب عنها، إما بالردود أسفل هذه التدوينة، أو في مواقع التواصل الخاصة بي، أو عن طريق الإيميل الخاص فيني وهو:
حتى الاثنين القادم الذي إما سيكون برعايتي أو رعايتكم، إلى اللقاء يا أصدقاء.