أكتب هذه التدوينة بعد رؤيتي لإحصاءات القودريدز السنوية، قرأت ثلاثين كتابًا، أو بالأصح قرأت واحد وعشرين كتابًا واستمعت إلى تسعة. هذه السنة هي أقل سنة قرأت فيها، ولكنها أكثر سنة جربت فيها العديد من الأشياء للمرة الأولى، وإنني لو أعدت السنة للمرة الثانية، لما غيرت فيها أي لحظة؛ لذا لا يعني لي ذلك العدد شيئًا، ولكنني أعلم يقينًا بأنني كنت أستطيع ولو بشيء ضئيل رفع ذلك العدد. لكن تأنيب الضمير لن ينفع بشيء إن لم يتبعه قرار والتزام، لذلك أعتزم إن شاء الله أن أقرأ أكثر وأكثر في السنة القادمة، وأن أستمع أكثر وأكثر إن لم أكن قادرة على القراءة. وبما أنني استمعت إلى كتب صوتية كثيرة نسبيًا في الأشهر الأخيرة وخصوصًا في المطبخ، فأعطيكم هنا توصيات مناسبة للاستماع أثناء حمس البصل وتقطيع الدجاج وتقشير البطاطس.
خديجة وسوسن – رضوى عاشور
رواية عن الأمومة والتحديات المصاحبة لها وعن الحب وملعقة كبيرة من الحزن. خديجة الأم التي تحكم أولادها بالديكتاتورية، تمنعهم عن جزء كبير من الحياة، وتحاول أن يكون كل شيء بالمسطرة. تتصادم كثيرًا مع ابنتها سوسن، بينما تغيب تمامًا ابنتها الأخرى زينب عن المشهد كونها الشخصية المتوازنة والهادئة خلافًا عن الجميع. وأخيرًا ابنها سعد الذي يفعل المستحيل ليرضي أمه، ويضحي بالكثير من أجلها. وأشيد بهذه الرواية كونها مكتوبة بأسلوب سلس لا يحتاج للتركيز كثيرًا عند الاستماع إليه، بالإضافة إلى أن القصة مشوقة ومتتابعة تجعل المستمع يظن بأنه يشاهد فلمًا، أو مسلسلًا مصريًا دراميًا.
يوميات نائب في الأرياف – توفيق الحكيم
تحكي الرواية عن مواقف نائب من القاهرة يعمل في الريف، عن التحديات التي يعيشها في منطقة نائية وعن القضايا اليومية التي تحدث في تلك المنطقة. كتبت الرواية على شكل يوميات، بلغة بديعة تطرب الأذن، وهنا الاقتباس الذي جعلني أبدأ بالاستماع لها من دون أن أفكر مرتين:
“لماذا أدوّن حياتي في يوميات، لأنها حياة هنيئة؟ كلا. إنّ صاحب الحياة الهنيئة لا يدوّنها، إنما يحياها. إنّي أعيش مع الجريمة. في أصفاد واحدة، إنّها رفيقي وزوجي أطالع وجهها في كلّ يوم، ولا أستطيع أن أحادثها على انفراد. هنا في هذه اليوميات أملك الكلام عنها، وعن نفسي وعن الكائنات جميعا. أيّتها الصفحات التي لن تنشر.. ما أنت إلاّ نافذة مفتوحة أطلق منها حريتي في ساعات الضيق.”
ساعي بريد نيرودا – أنطونيا سكارميتا
تدور الرواية حول ماريو خيمينث وهو شاب بلا عمل، وأقصى أحلامه أن يستطيع أن يشاهد فيلمًا متى ما أراد في السينما. تتاح له فرصة أن يثبت لوالده أنه قادر على العمل، فيصبح ساعيًا للبريد، لكنه يوصل الرسائل لشخص واحد فقط. تكمن مهمته بنقل الرسائل والتي يكون أغلبها من المعجبين والقراء من حول العالم إلى بابلو نيرودا. وهو شاعر تشيلي مشهور، يحفظ الجميع أشعاره، وفي كل بيت نسخه من دواوينه. نفي إلى قرية نائية لأسباب سياسية، ولا يرتبط مع العالم الخارجي إلا من خلال الرسائل التي يوصلها ماريو له. تتوطد العلاقة بين ماريو والشاعر نيرودا بسبب الفتاة التي تعلق بها ماريو، وهي بياتريث التي تعمل في بار القرية. يشرح نيرودا الاستعارات لماريو الذي يهيم بالنادلة عشقًا ولم تكن كلمات الاعجاب والحب العادية كافية لتصف مشاعره، فتعلم أن يستعير بالقمر والبحر والنجوم ليصف حبيبته. لغة الرواية جميلة، وترجمة صالح علماني أعطتها رائحة وملمس وطعم، فيها الكثير من الحياة في تشيلي.
“إذا لم تكن الحياة جميلة فهي محتملة على الأقل”
كالماء للشوكولاتة – لاورا إيسكيبيل
بقراءة العنوان وحده تصدر معدتي أصواتًا، أتذكر الوصفات والموائد في الرواية، رواية مليئة بالمقادير والأحزان. بشكل تقريبي تدور أحداث الرواية كاملة في المطبخ، بين القدور والصحون والدموع التي يثيرها البصل. تيتا هي الابنة الصغرى لعائلة دي لاجرثا، وتحرم عليها تقاليد العائلية المكسيكية الزواج لتهتم بوالدتها حتى مماتها. لكن بشكل غير متوقع وشائن، تقع تيتا بحب بيدرو وتخالف تقاليد العائلة. يتقدم بيدرو لخطبتها، لكن والدة تيتا ترفض رفضًا قاطعًا، فيفكر بيدرو بحل آخر ينقذه من مصيبته، لكنه حله ذاك راكم المشكلات فوق رأسه، وأدى بتيتا للجنون. قصة عجيبة ولذيذة بذات الوقت، ترجمتها مثالية وتزيدها سحرًا.
“أدارت رأسها فالتقت عيناها بعيني «بيدرو». وفي تلك اللحظة أدركتْ بالضبط ما لا بد لعجينة الزلابية أن تشعر به عند ملامستها الزيت المغلي. كان حقيقيًّا جدًّا الإحساس بالحرارة التي اجتاحت جسدها كله”
حتى الاثنين القادم، الذي قد أكتب فيه عن الكتب أيضًا، إلى اللقاء يا أصدقاء.