تجديف نحو الاطمئنان الشعوري

عدد القصص الخاصة بي في برنامج السناب تشات بازدياد-وأقصد بها التي أعبّر فيها عن مشاعري لعدد وفئة معينة من المتابعين- وملاحظتي للمواقف والكلمات الشعورية بازدياد أيضًا، المنافسات اليومية لمن هو أحزن، أسعد، أضعف، تتخطى قدرتي على الاستيعاب. هل نحن حقًا في عصر المشاعر؟ هل انتصرت المشاعر علينا؟ أم استسلمنا لها؟ أو حتى عبدناها في أحيانًا أخرى؟

يرى أفلاطون بأن المشاعر هي أساس تخبّط الإنسان، وأن الاستجابة لها قد يؤدي إلى الإيمان بمعتقدات وآراء خاطئة وبذلك إلى قرارات ومواقف لا تحمد عقباها. والطريقة الوحيدة لاحتوائها بشكل سليم، أن تكرس وقتًا تجعلها فيه على طاولة المختبر، تحللها وتفكّر فيها مليًا، لتحسن الاستجابة لها. أو أن تُفضى لشخص يستطيع الاستماع لها بدون إصدار أحكام. وبالقيام بذلك لن تستطيع مشاعرك جرّك على وجهك متخبطًا في كل ناحية.

في الجهة الأخرى، يشترك نيتشه وأرسطو بأن المشاعر هي أساس تغيير الفرد، وهي المراد في هذه الحياة.

يرى نيتشه بأن المشاعر كالفضول والفكاهة والطموح والاستقلالية هي ما تسمى بالحياة. “ماذا لو كانت السعادة والتعاسة مرتبطتين معًا بحيث لا بدّ لكل من يرغب بامتلاك أكبر قدر من إحداهما أن يمتلك قدر مماثلًا من الأخرى…” علينا أن نجرب، نتشجع ونخفق ونحزن ونفرح لنعيش. ويرى بأن نصيحة شوبنهار بأن يبقى الفرد حبيس غرفته المضادة للنيران نصيحة توحي بالجبن. ويكتب”كيف يمكن لأي أحد أن يصبح مفكرًا إن لم يقضِ ثلث اليوم على الأقل من دون هوايات أو أناس أو كتب؟” كيف لنا أن ننهض بأنفسنا إن لم نجرب السباحة في هذا أو ذاك؟

أنشئ أرسطو قواعدًا عديدة للقيام بمسرحية أو عروض فنية جيدة للناس. لماذا؟ لأنه أراد أراد أن تخرج ما في نفوس الحضور، من مشاعر الخوف، الحزن، العاطفة، الفرح، أن يجربوا ما لم يجربوه، لتكون لديهم كذخيرة، صالحة للاستعمال، إلى أن تتأصل فيهم. أن يعيشوا مشاعرهم ومخاوفهم إلى حد البكاء أحيانًا، ليصبحوا أقوى في مجابهة الحياة. في كتاب اللامبالاة”فلا بد للمرء من معاناة الألم الانفعالي حتى تتطور لديه مرونة إنفعالية أكبر وإحساس أقوى بالذات وتعاطف أكبر مع الآخرين… أي حياة أكثر سعادة بشكل عام.”

بينما في الجهة المقابلة، تُفجّر هذه النظرية من قبل ميشيل لكروا الكاتب لكتاب عبادة المشاعر. “حقبتنا فهي من النوع الذي يميل إلى المبالغة”، “نميل إلى كل ما هو مجنون”، نشحن أنفسنا “بسيالات من الادرينالين” و”شحنات عاطفية”. نحاول أن نستخرج أكبر قدر من الأحاسيس، بتجاربنا السفرية، بمحاولاتنا التذوقية، برقصنا الغير متوقف، وقفزنا من الهواء، نبحث بلهاث عن ما هو أخطر، أكثر إثارة، وغير متوقع، لنشبع أحاسيسنا، وأحاسيس غيرنا، خصوصًا لمن لم يجرب. نجد متعة أكبر بوصف هذا كله لمن لم يجرب إرتعاشة هذه التجارب الحياتية، والأغلب منها الخطيرة، والأكثر غلاءً وبُعدًا.

في كتاب -الإنسان والبحث عن المعنى- يرى الكاتب بأن معنى الحياة يتلخص بالمشاعر، المسؤولية، الحب، المعاناة. أكثر الناس تحملًا ونجاة من معسكرات الاعتقال هم الذين ينتظرون رؤية شخص ما، إنجاز عمل، رعاية عائلة، أو تحقيق هدف، سواء كان جمع أكبر قدر من المال، أو كتابة كتاب.

انجرافنا الهائل مؤخرًا هل هو عادة اكتسبناها مع مرور الوقت؟ أو هي مشاعرنا الطبيعية؟ أو هذا هو فعلًا عصرنا وسيتغير؟ فوضى هائلة في التعبير عن المشاعر، وفوضى هائلة أخرى في فهمها واستقبالها واستخدامها. نسبح في بحر واسع ببطئ على قاربٍ ذو مجدافين صغيرين، نبحث عن اليابسة، عن الاطمئنان الشعوري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top