ما يجعل المرء بالغًا

أشاهد سلسلة انمي جديدة هذه الأيام، وتقول إحدى الشخصيات:”واجهت الكثير من مواقف الحياة والموت، لكن ذلك لا يجعل منك بالغًا. إيجاد المزيد من الشعر الساقط على وسادتك، مشاهدة الخبز المحشو المفضل لديك وهو يختفي من المتاجر. تراكم أشكال اليأس الصغيرة تلك هي ما تجعل الشخص بالغًا.”

هل فعلًا اليأس ما يجعلنا بالغين؟ أم هي التضحيات والتنازلات؟ هل يوجد معيار وقياس للبلوغ؟ أم البلوغ هو تحمّل المسؤولية؟

تختلف معاني البلوغ، البلوغ أحيانًا هو سن التكليف، سن النضج، وأحيانًا أخرى هو سن تحمل المسؤولية، سن الوعي، أو الوصول إلى المراد. لكن هل فعلًا وصلنا إلى مرادنا ببلوغنا؟ أو نحن على مشارف الوصول؟

يقيس الأغلب البلوغ والنضج بمدى تحمل الشخص للمصائب، بمدى إستطاعته على حبس دموعه -وأحيانًا أخرى لعناته- والابتسام بدلًا من إطلاقها. ويقيس آخرون النضج بعدد خانات الأرقام في الحساب المصرفي، كلما زادت، كلما أصبحت أكثر نضجًا. يُقاس أيضًا بعدد الأهداف والإنجازات المحققة، بعدد الأطفال، بعدد الفواتير المدفوعة، العقارات، العلاقات، الشهادات. يُقاس بطريقة الجلوس، بطريقة الترتيب، بمهارات الطبخ، ومهارات الحوار. ولكن هل النضج مجرد أرقام؟ أو مجرّد مهارات؟ أحيانًا يكون البلوغ محطة توديع نهائية للنجوم اللامعة، والأسئلة الفضولية، انسلاخ من الوعاء المسمى بانبهار الاكتشاف إلى قتامة الواقع.

أسأل نفسي كثيرًا، هل أنا بالغة كفاية؟ هل أستحق لقب كوني إنسانة بالغة؟ لكنني لم أحفظ رقم هاتف والدتي بعد، ولا رقم هاتفي حتى، ولا أنفك عن تضييع هاتفي، وأنسى تناول العشاء، أغفو أثناء جلوسي، واستمتع بمشاهدة سبونج بوب، ولدي صفر واحد في حسابي البنكي، وكتاب واحد، وحياة واحدة، لكنني مع ذلك أعامل كبالغة في كل مكان، بذكري لذلك هل سأطرد من عالم البالغين؟

انتهيت أخيرًا بالوصول إلى أن البلوغ مجرد حالة انتقال من إشراف وحيد على دائرتي الخاصة، إلى إشراف أعمق مترابط بين عدة دوائر، يختلف حجمها ولونها، ويجب علي الحفاظ على التوازن بينها، بين دائرتي الخاصة، ودوائر عديدة متشابكة معي. يجب أن تتوفر لدي مهارة الحفاظ على الدوائر، وهذا بشكل عام البلوغ. دائرتي المتشابكة مع دائرة أسرتي، الجامعة، علاقاتي، ديني وغيرها الكثير. كوني إنسانة بالغة يجب على الحفاظ على توازنها فقط. وليس واجبًا علي أن أنسلخ عن ذاتي لأحافظ على دوائري، وإنما أن أعمل على إنسجامها معًا، بدون الضغط على نفسي لأخذ مهارات جديدة قد لا أستفيد منها، أو شهادات وأرقام قد يكون جمعها مضيعة للوقت.

قضيت يومًا كاملًا بتسجيل ما أراه وألاحظه من علامات البلوغ التي أشاهدها من حولي، طرق عديدة للحفاظ على الدوائر، بدون أن يكون اليأس والانسلاخ عن حقيقة الشخص في أي منها.

١-الاتصال بشركة الكهرباء عند وقوع خلل

٢-شراء سيارة لشخص

٣-زيارات أو مكالمات التهاني

٤-حضور عزاء وقول التعزية بشكل صحيح

٥-دفع العشاء

٦-إصلاح سيارة طفل

٧-إصلاح هاتف

٨-حفظ أرقام الطوارئ

٩-معرفة طريقة عمل عداد الكهرباء

١٠-شرب كوب قهوة كامل

١١-تمشيط شعر الأخوات عند الحاجة

١٢-القدرة على إجابة الاتصالات الواردة للوالدين

١٣-فتح العلب والحلويات والكراتين

١٤-تبديل البطاريات

١٥-احتراف مهنة الطب بشهادة الوالدة والعلاجات الشعبية من الجدة

١٦-الخسارة مقابل طفل

١٧-وضع العشاء في الصحون

١٨-مشاهدة أفلام الكرتون مع الأطفال

١٩-متابعة الاخبار

٢٠-الفرح عندما يتم قضم سنوات من العمر من قبل غريب

٢١-إصلاح بنطال أو جورب بالخياطة

٢٢-أخذ اللقاح بدون أي ضجة

٢٣-عدم الخوف من الحشرات

٢٤-تحمّل تشرّه الجدات بنفس طيبة

٢٥-اختيار اللبس المناسب لكل مناسبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top