١٠ نقاط سلبية للعيش في منزل الجد

رغم انتقالنا من منزل جدي منذ زمن، ما زالت تلك النقاط السلبية تعيش معنا في منزلنا، بحضور جدتي لا غيّب الله ضحكتها، استمرت تلك النقاط وازدهرت.

١-اعتياد الكذب؛ يجب علينا اتقان الكذب، فعندما يرتفع المستوى المعيشي للأسرة، وأعني بذلك أثاث جديد، هاتف، ألعاب، فهذه نتيجة إمدادنا بالمال من جدتي، سواء كان ذلك من خلال لفه بمنديل، أو مدّه من تحت الطاولة، أو من خلال إرساله مع أحد إخوتي. يتوجب علينا الكذب لنجنب أنفسنا السيل العارم من الانتقادات من أقاربنا، ولنجنب جدتي أولًا من انتقادات حفيداتها وخصوصًا جملة -وش زودهم-.

٢-الأمثال الشعبية والكلمات التي لا يعرفها سوى سكان المنزل. مؤخرًا أردد كثيرًا:”تمدّنا صرنا ننام على سريرات وناكل دياتسه.” وهذا ما يعود على قصة قديمة لابن جيران جدتي، فبعد تحسن حالتهم المادية يخبرها بأنهم أصبحوا متمدنين، ينامون على أسرة، ويأكلون ديكة. وغيرها الكثير من الكلمات والأمثال التي أقولها ولن يفهمها غيري في معظم الأوقات.

٣-التردد الكبير عند اتخاذ أي صداقة جديدة. العيش في محافظة وفي منزل الجد يعد مخاطرة كبيرة على الصعيد الاجتماعي. فالجد والجدة لديهم خريطة ذهنية تحوي شجرة متفرعة الأغصان لكل سكان المحافظة. من الأجداد إلى الأبناء وزوجات الأبناء وتنتهي بالأحفاد. فعندما يتم إخبارهم باسم الصديق الجديد، يعطون قائمة مؤرخة منذ ولادة ذلك الصديق حتى آخر علمهم به، ويمطرون بالتفاصيل الصغيرة والكبيرة عن حياته، وحياة عائلته، وفي مرات كثيرة، بمعيارتهم الشهيرة. وليس ذلك وحسب، وإنما يشرطون أحيانًا مقابلته، للتأكد من سلامة سجلّه لإدخاله العائلة، ولتحديث قائمتهم عنه وعن عائلته. وغالبًا ما ينتهي اللقاء بمحادثة الجد والجدة للصديق أكثر من محادثة ابنهم لصديقه، وذلك فقط لأخذ الحيطة والحذر، ولتهيأته لدخول سجل العائلة الخاص بهم. بعد أن قامت جدتي بإعطاء موافقة على علاقتي بنجلا صديقتي منذ المرحلة الابتدائية، في كل مرة تتصل نجلا بهاتف المنزل آنذاك، ترد جدتي عليها أولًا، وتسكب عليها كل تفاصيل عائلتنا سكبًا، وبما في ذلك آخر قصيدة قالها جدي، وما هو غداءنا، ومتى ننام وأين سنذهب.

٤-تسوس الأسنان والإمساك. تقدّم جدتي أنواع متعددة من الوجبات الخفيفة والحلويات. مقبلات ما قبل الغداء، وما بعد الغداء أيضًا، ومشروبات، وبطاطس العصرية، وحلاو المصاص، والكعك، وبيرة ما بعد العشاء، وما لا يعد ويحصى من أنواع الحلويات، مما أدى بذلك إلى تسوس أسناننا، والإمساك الذي يعاني منه إخوتي الصغار. غرفة جدتي أقرب إلى محل بقالة منه إلى غرفة.

٥-كثرة التعرض للشد العضلي. يحدث كثيرًا أن تقول جدتي لأي رجل يقف عند الباب:”ادخل ما به أحد.” بينما الغرفة تعج بالفتيات، لذلك نقفز نسابق الريح لأقرب غطاء نستر أنفسنا فيه، بينما يكسر الرجل رقبته وتلتوي أقدامه عائدًا إلى خارج الغرفة.

٦-اندلاع حرب الدلع الزائد بين الأحفاد. بسبب عدد الأحفاد المهول غالبًا، يتنازعون فيما بينهم على جذب انتباه الجد والجدة، فبلمسة واحدة على رأس أحد الأطفال على سبيل المزاح، تنطلق حنجرته بالصراخ كأنها لم تخلق إلا لهذا الغرض، فيسمعه الجيران، والمارة، وعامل المسجد. فيفزعون له أجداده كما لو كان على شفى حفرة من الموت. لاحقتني جدتي بنعلة دورة المياه البلاستيكية عندما كنت في الصف الأول الابتدائي، درنا حول الحوش بالكامل ظهرًا، والسبب بأنني رششت ابنة عمتي أروى ببخاخ الثلج.

٧-الاعتياد على بعض الأطعمة والمذاقات الغريبة. بسبب الحالة المادية الفارقة بين الجيل الحالي والجيل السابق، اعتاد الاجداد على بعض الأكلات الغريبة التي لا تنشأ إلا عن قلة الموارد الغذائية، ويواصل الأجداد أكلها وإرغام أحفادهم على أكلها بالرغم من غرابتها. اعتاد جدي على إطعامي الأرز بالبطيخ، وإن لم يتوافر البطيخ فإنه يضع العنب، وإن لم يكن العنب متوافرًا فإنه يضع أي فاكهة أمامه. وأعتاد أيضًا على إطعامي بسكويت الشاي ولكن ليس مع الشاي وإنما مع الماء البارد. نشأت آكل الحمام، البط، اللحم، الدّخل، المراصيع بكل وصفاتها، السليق، وغيرها الكثير الذي لا أستطيع حصره، ولكن والحمدلله فشلت جدتي بجعلي أعتاد الجراد، مشهد جدتي وهي تطبخ الجراد الحي في القدر أصابني تقريبًا برهاب الحشرات، وهي أكثر شيء أخشاه في حياتي هذه.

٨-حمل مسؤولية سمعة الجد/الجدة. العيش في محافظة صغيرة ينتقل فيها القيل والقال كالبرق، يجعل على عاتقك تلميع وتحسين سمعة أجدادك، ولما أجدادك فقط؟ لأن والديك لا يملكان صيتًا كصيت أجدادك، الذين يتصلون بكل منزل من منازل المحافظة، فيتعين عليك الحفاظ على سمعتهم وصورتهم من أن تخدش من خلال تصرفاتك. أما بالنسبة إلي، فلم أسمع أي امرأة تناديني قط بسارة الجريسي، أو سارة بندر، في أوقات منزل جدي القديم، وإنما سارة بنت ولد أم جريس-جدتي- وحينما يصعب التعرف علي في أي مكان، فإنهم يقولون-جدتس أم جريس؟- وهنا تتم معاملتي على حسب سمعة جدتي التي أحملها على رأسي.

٩-كثرة الكوابيس. عندما يجتمع الأحفاد جميعهم في العطلات، يصبح منزل الجد أشبه بصالة حفلات، أطفال يركضون، وآخرون يبكون، والأكثرية يتصارعون. تجمع الجدة الأحفاد في غرفة المعيشة، تسكتهم جميعًا بتهديد، وتبدأ بسرد القصص التي لن ينامون ليلًا بسببها. اعتادت جدتي على رواية قصة مريم بنت الفتى. وهي قصة أريد تدوينها هنا مستقبلًا بعد أن أجدد ذاكرتي عنها من جدتي قريبًا. مريم التي طبخت خالتها حية في قدر واطعمتها لأبناءها.

١٠-تواجد عدد لا نهائي من كور القدم الجلدية الغير صالحة للاستخدام. كرة القدم لعبة لا تغيب عن حوش منزل الجد، وخصوصًا نسخة واحد عشرين منها، التي تنص قواعدها على ألا يمس اللاعبين الكرة سوى مرة واحدة. يقوم الجد أو الجدة بتمزيق كرة القدم بعد عدة تهديدات، والسبب بأنه بعد كل مباراة كرة قدم في الحوش تتحطم كل اللمبات، ودرءًا لخسارة اللمبات يقوم الأجداد بتمزيق الكرات، وينتهي الحال بمجموعة كرات جلدية ممزقة أو منسّمة في زاوية الحوش. وأحيانًا كثيرة لا تكون اللمبات هي السبب الرئيسي، وإنما شكوى الجيران من الإزعاج أو صعرور في جبهة أحد الأطفال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top