قصة الصورة الحادية عشر في هاتفي

لم توجد أية صعوبات في حياتي أنا وأحمد وحدنا، لم تولد بعد منيرة، والمنزل كله لنا. ولحسن الحظ فالأدوار التي يشغلها أحمد قليلة، إما أن يكون تابعًا مخلصًا لي، أو فأر تجارب، بالرغم من كونه أبو لسانين كما تقول أمي، إلا أنه لم يستخدم إلا لسانًا واحدًا معي، وكان على استعداد تام لتنفيذ أوامري.

في كل مساء، وبعد أن نقول لمامامنيرة تصبحين على خير، نبدأ باختراع الألعاب التي سترهقنا حتى ننام، ويساعدنا منزل باباعزيز على اختراع شتى الألعاب، غرف كثيرة، وستائر أكثر. كمنزل تسكنه خمس عائلات، أمام كل باب توجد ستارة، وهذا ما يجعلنا نتحمس لفقرة النوم، منزل هادئ وفارغ، إلا مني ومن أحمد. ـ ومن منيرة أيضًا، تذكرت للتو أنها تبلغ السنتين خلال تلك الفترة-

اخترعنا لعبة أنا وأحمد، ننطلق من غرفتنا ركضًا حتى غرفة والدينا، والفائز من يملك جولات ذهاب وعودة أكثر، لكننا لم نضع بالحسبان الستارة التي تفصل ما بين باب غرفة والداي والصالة، فلم نكن نملك المعرفة الكافية إن كان أحدنا خلف الستارة أم لا.

ابتدأت اللعبة، نركض بلا توقف، ذهابًا وعودة، ضحكات ولهاث، وكما تقول أمي في كل مرة نضحك فيها بلا توقف:”الله يستر من هالضحك”. وبعد الجولة المئة، أركض أنا باتجاه الغرفة، ويركض أحمد خارجها، تفصل الستارة البيضاء بيننا، نتصادم، يقع أحمد على الأرض، وأمسك فمي، أشعر بدماء، أتذوقها، استوعب أنها تخرج من فمي، أشعر بشيء مفقود، سني الأمامية غير موجودة، أبحث عنها لكن بلا أثر، التفت لأحمد الذي لا يستطيع أخذ نفس من البكاء، أجد سني الأمامية عالقة في جبهته، لا أعلم أأضحك أم أبكي، لكنني خلعتها أخيرًا، والشكر موصول لجبهة أحمد.

***

ساعدني أحمد على تحقيق واحدة من أمنياتي في صغري، ولن أنساها له ما حييت. حيث تملكتني رغبة هائلة بأن أصبح نقّاشة، ذلك العالم العجيب الذي يفتح بابه في المناسبات فقط، وتقوم به فنانة مجهولة، لا نعرف وجهها ولا اسمها الحقيقي، وإنما تتاح لنا رؤية فنّها فقط، مهنة آسرة وبديعة. وللأسف لم تتح لي الفرصة أبدًا بتجربة النقش سواء على يد حقيقية أو على ورقة، إلا أن أحمد لم يتركها في خاطري، فلم يسلمني يده فقط، وإنما جسمه كاملًا.

كنا بانتظار مجيئ عمي من الرياض، قامت أمي بتحميمنا وتغيير ملابسنا، ولم تتبقى سوى لحظات على وصول عمي، همست فيها لأحمد بأن الوقت حان ليتكشخ فعليًا. قام معي عزوتي وذهبنا للمجلس، أغلقت الباب، تأكدت بأن والدتي مشغولة في المطبخ لذلك لن تكشف خطتي، أجلسته أمامي، فتحت قلم السبورة الأسود الغير قابل للمسح، وبدأت بالنقش على يد أحمد، وكنت أنوي أن أتوقف عند ذلك الحد، لكن الموضوع أمتع مما تخيلت، فلم أتوقف إلا بعد أن وجدتنا والدتي، بعد أن وصلت لأنفه.

لا أتذكر شيئًا بعد ذلك سوى مشهد أحمد في دورة المياه تفركه أمي وجدتي، يغوص تحت رغوة الصابون، وفي كل مرة تغير والدتي وضعيتها في دورة المياه من وقوف وجلوس تضربني على يدي، وأتذكرها تقول:”ايه الحمارة، حاطة حيلها بأخوها وهي ما عليها ولا شخطة” وكما ترون فقد أساءت والدتي فهمي تمامًا، فأنا لم أفعل ذلك بأحمد انتقامًا أو عبثًا، وإنما تجميلًا وتحسينًا، وإلا لما وافق من الأساس؟

***

وأما بالنسبة للصورة بالأعلى والتي هي أساس كتابة هذه الكلمات، فلا توجد قصة فعلية مثيرة خلفها، والدي، يجلس على فخذه أحمد وأظنه يبلغ السنتين، وأنا أبلغ الأربع سنوات، أعطي نظرات وينزداي آدامز للمصور بلا أي مبرر، ومن تسريحة شعري فيغلب ظني بأن والدي أخذنا معه للتصوير بدون معرفة والدتي، وأتذكر بعدها عودتنا للمنزل لنجد جدتي وأختها وأخاها يأكلون الجح في فناء المنزل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top