الوقوع في حفرة الأرنب

Handmade modern glass marble by Fabien Jauget aka Bombyx Mori
Glass

بتبقي اختبار واحد على تخرجي من الجامعة وقعت في حفرة الأرنب، الكثير من الأفكار والوساوس والقرارات، ولا أظنني سأستطيع الخروج منها، سيتغير عالمي، وسأعيش بعالم مختلف تمامًا، أقابل به أشخاصًا جدد، مفاهيم جديدة، ومحاولات عديدة لفهم العالم. كما لو أنني أنطلق من الصفر، لكن الفرق بين الانطلاقة الأولى والثانية أنني انطلق الآن بحقيبة مملوءة بالخبرة والمعرفة والشغف.

لم أصل للأرض بعد، فما زلت أسقط في الحفرة، الطريق طويلة والوصول بعيد. محطتي الأولى بالسقوط هي محاولة الحفاظ على نظام استيقاظ محدد، قررت الاستيقاظ بالثامنة صباحًا، إلا أن القول أسهل من العمل. كثيرًا ما أنجرف على غير دراية مني للسهر، وتواجهني العواقب سريعًا في الصباح، يزورني إبليس مقنعًا إياي بتعويض سويعات السهر الماضية، فأستجيب له أحيانًا وأستعيذ منه في أحيان أخر.

أول نشاط أقوم به بعد استيقاظي وتناولي للفطور هو الكتابة، أكتب في دفتر حتى تنتهي أسطر الصفحة الواحدة، أفرغ ما فاض به رأسي ليلًا على الورق صباحًا، وبذلك يزيد عدد دفاتري التي استعملها إلى المئة بعد الألف. انخفضت مدة وقوفي أمامي المرآة صباحًا بسبب هذا الفعل، فأفكاري التي تظهر واقفة خلف كتفي تحدثني، أصبحت على الورق. وكنت قد قمت بنشاط مماثل سابقًا، أجيب على سبعة أسئلة معينة يوميًا فور استيقاظي، وساعدتني تلك الطريقة على مواجهة الكثير من مخاوفي وضحدها. وأما الآن، فالمجال مفتوح للكتابة عن أي شيء أفكر به، عن أي شبح يقف خلفي.

تجذبني فكرة الترجمة مؤخرًا، مع كرهي لها إلا أنني أفكر بها مليًا، أود إثراء المحتوى العربي، ولو كنت بذلك أقصد على الأقل إثراء مدونتي. أغرف الكثير من المعرفة من مصادر أجنبية عديدة، ولا أود أن يكون ذلك حصرًا علي فقط، أريد أن أترجم وأستغل بذلك لغتي التي لم يستفد منها سوى إخوتي باختبارات المدرسة وواجباتها. ومع أنني أعاني مع الترجمة بسبب تدخلي ألا إرادي بالنص الأصلي، إلا أنني سأحاول كبح جماح آرائي الخاصة ورؤيتي، وسأسلم الكاتب الأصلي دفة القيادة.

وأما بالنسبة لقراءاتي، فحان وقت الحرب والسلم لليو تولستوي. كنت قد طلبتها من إحدى قريباتي كهدية تخرج، وها أنا بانتظارها، إلا أنني لا أعلم بعد ما هي التجهيزات التي أحتاجها لقراءتها، هل أخصص لها دفترًا كاملًا؟ هل أعمل على تلخيصها؟ هل أقوم بقراءة مختصرة عنها مسبقًا وعن الكاتب؟ لا أعلم، لكن الشيء الوحيد الذي أنا متأكدة منه هو أنني متشوقة لها ولا أكف عن التفكير فيها.

إحدى علامات الوقوع بحفرة الأرنب هي الرغبة الملّحة للطبخ، لا أنفك عن حفظ الوصفات، أود تجربة إعداد أطباق لم أطبخها من قبل، أود طهو المالح وصنع الحالي. أشعر برغبة عارمة لإقامة عزيمة عائلية، بأطباق أطهوها أنا فقط. لكنني أحتفظ بهذه الأمنية لنفسي، لأن والدتي لن تكون سعيدة بأمنية كهذه، فهي من أنصار الراحة والطلبات، وأنا على العكس من ذلك، من أنصار التعب والمشقة وعرق المطبخ. وكثيرًا ما نقف في منتصف المطبخ بصمت، نتبادل النظرات، أمسك أنا بالمقلاة وهي بهاتفها، تقنعني بأن نطلب وأقنعها بأن نطهو.

وأخيرًا كعلامة أكيدة للدخول في حفرة الأرنب هي مشاهدة مسلسلات عربية، بالأمس قمت بمتابعة مسلسل لبناني، وما يزيد الطين بلّة هو أنني أتابعه على قناة إم بي سي، في فترة العصرية مع كأس شاي، ولا أظن بأن هنالك علامات تدل على حفرة الأرنب أكثر تأكيدًا من هذه.

وبالرغم من سقوطي إلا أنني أعتبره إرتقاءً لذاتي، فسحة واسعة لتجربة الكثير، فرصة ذهبية لأختبر ما تعلمته طوال سنواتي الماضية، أن أدير حياتي، أن أقرر من أكون، وما يتوجب علي فعله، أن أضغط الدواسة والمكابح بنفسي. ومن هذا المبدأ قررت القيام بشيء جديد سأعلن عنه في التدوينة القادمة بإذن الله.

وحتى الإثنين القادم، إلى اللقاء يا أصدقاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top